فإن قيل: فهل يفهم من ذلك أن اللفظ الذى له حقيقة شرعية صار مستعملاً فيها يجوز أن يفسر فى القرآن بمعناه اللغوى الذى هو أصل وضعه، كما يجوز أن يفسر بمعناه الشرعى، ولا يعد ذلك خلافاً؟
والجواب بالنفى المؤكد، فكلامنا فى الصورة المترجم بها هو عن اللفظ الذى له أصل فى اللغة وضع له – وكل ألفاظ اللغة كذلك – إلا أنه غلب بعد ذلك استعماله فى معنى آخر من جهة اللغة كذلك، فتفسيره بالمعنى الأصلى لا يتعارض ولا يختلف مع تفسيره بالمعنى الذى استعمل فيه لغة كذلك، لأنه لابد من علاقة بين المعنى الأصلى والمعنى المستعمل فيه كما هو الحال فى المجاز والاستعارة.
ولعل ما يقرب هذا المفهوم - فيما بدا لى - فكرة التضمين فى اللغة، إذ إن الاسم أو الفعل الذى دخله التضمين لا يلغى التضمين معناه الأصلى ولكن يضيف إليه معنى جديداً، فمثلاً قول الله تعالى: ((حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق)) (١) ضمن فيه لفظ "حقيق" معنى حريص، ولم يلغ مع ذلك المعنى الأصلى للكلمة فصار المعنى: جدير بألا أقول على الله إلا الحق وحريص على ذلك فلن أخل به. (٢) وإذا كان هذا هو التضمين فى الاسم فهو فى الفعل كذلك، اقرأ قول الله تعالى: ((عيناً يشرب بها عباد الله)) (٣) حيث ضمن الفعل "يشرب" معنى "يروى" ولذا عدى بالباء، ولم يُلغ مع ذلك المعنى الأصلى إذ الرى هو منتهى الشرب، فجمع الفعل بهذا التضمين بين معنيين لم يلغ أحدهما الآخر ولم يعارضه.
نعود إلى السؤال المطروح والذى أجبت عنه بالنفى:
(٢) أنظر: تفسير الكشاف - ٢/١٠١، المنار - ٩/٣٨.
(٣) سورة الإنسان : ٦.