وتقرير هذا الجواب هو أن اللفظ إذا دار بين الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية، فإن التفسير الصحيح هو الذى يحمل اللفظ على حقيقته الشرعية ؛ لأن الشرع قد نقل هذا اللفظ من معناه اللغوى إلى معنى شرعى جديد فوجب التزامه، وذلك كألفاظ الصلاة والزكاة والوضوء وغيرها، فلهذه الألفاظ معان فى اللغة واصطلاحات أو حقائق فى الشرع، وعلى المفسر حينئذٍ تقديم الحقيقة الشرعية لأن القرآن جاء مقرراً للشرع.
هذا ما قرره العلماء، قال الماوردى: إذا كان أحد المعنيين مستعملاً فى اللغة والآخر مستعملاً فى الشرع، فيكون حمله على المعنى الشرعى أولى من حمله على المعنى اللغوى لأن الشرع ناقل. (١) لكن إن دل دليل على إرادة الحقيقة اللغوية فالنزوع إليها لازم وذلك كلفظ الصلاة فى قوله سبحانه: ((وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم)) (٢)
فالمراد هنا أصل المعنى اللغوى للصلاة، أى: ادع لهم، والدليل هنا هو حديث عبدالله بن أبى أوفى - فى الصحيح - قال: "كان النبى - ﷺ إذا أتى بصدقة قوم صلى عليهم فأتاه أبى بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبى أوفى" (٣)
والحاصل أن تقديم الحقيقة الشرعية على اللغوية أثناء تعاملنا مع القرآن الكريم، وكذلك السنة النبوية لأن القرآن والسنة هما المعبران عن لسان الشرع والشرع هو الذى وضع هذه الاصطلاحات فوجب المضى مع ما اصطلح عليه، وكما قالوا: لا مشاحة فى الاصطلاح. لكن إذا قام دليل خاص على تقديم اللغوية فى محل معين يلزم كذلك المصير إليه والقول به كما قدمنا.
الصورة الرابعة:

(١) أنظر: تفسير النكت والعيون - ١/٣٨، و أنظر فى تقرير هذه القاعدة : البرهان - ٢/٢٠٧ وما بعدها، والإتقان ٢/١٨٢، والمعتمد فى أصول الفقه -١/١٧، والمستصفى - ص١٨٩، وإرشاد الفحول - ص٤١١.
(٢) سورة التوبة : ١٠٣.
(٣) البخارى - كتاب الزكاة - باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة.


الصفحة التالية
Icon