اختلاف المفسر مع نفسه، بأن يكون قد ذكر رأياً ثم عدل عنه بعد البحث والنظر إلى رأى آخر، فينقل على أنه خلاف وهو الحقيقة ليس كذلك ؛ لأن المستقر من رأييه هو الأخير فقط تماماً كالنسخ فى الأحكام -أى كصورته.
ومثل هذا يتحقق بكثرة فى أقوال الفقهاء، فكثيراً ما تقرأ عبارة: هذا الرأى رواية عن أحمد، أو هو قول الشافعى فى القديم، أو الجديد. وقد يوجد منه فى التفسير شئ، ويمثل له بالأقوال الكثيرة المنسوبة إلى ابن عباس - رضى الله عنهما - فإننا نقرأ كثيراً فى تفسير ابن جرير الطبرى فنراه يذكر التأويلين والثلاثة ويذكر تحت كل تأويل رأياً لابن عباس.
أقول: ما كان من هذه الآراء وتلك التأويلات من باب خلاف التنوع قبلناه أجمعه فى الموضع الواحد. وما كان منها من باب خلاف التضاد فلابد من أن يكون أحد الرأيين متأخراً فيحكم بأنه رفع به رأيه المتقدم، وما يقال فى ابن عباس - رضى الله عنهما - يقال فى غيره، لكن الذى دعانا إلى اختياره بالذات دون غيره سببان:
أحدهما : كثرة المرويات المروية عن ابن عباس والمختلفة فى مدلولاتها بغض النظر عن كونه خلاف تنوع أو تضاد.
وثانيهما: أن ابن عباس قد ثبت عنه شئ من هذا القبيل :
أ- فقد ورد عنه أنه كان يفسر الربا المحرم المنصوص عليه فى القرآنية والأحاديث النبوية بربا النسيئة ويقول: بجواز ربا الفضل. لكن ثبت أنه رجع عن ذلك (١) ومن ثم فلا يجوز أن ينقل ذلك على أنه خلاف ما دام أنه قد استقر على رأى حرمة ربا الفضل كذلك، إذ رجوع المفسر أو الفقيه عن رايه السابق هو إلغاء له وإثبات لرأى آخر هو وحده الباقى والذى ينبغى أن ينسب إليه.