وحاصله اللجوء إلى تأويل هذه الصفات بما يليق وجلال الله تعالى، وقد وازنوا بينها فقيل: مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم. وعلى كل فليس مجالنا هنا مناقشة ذلك، ولكن فى مجال التمثيل للصورة المذكورة، ومثالها متوفر فى اتجاه الخلف حول آيات الصفات وذلك أنهم يؤولونها.
ومن ذلك ما ذكروه من تأويلات لقوله تعالى: ((الرحمن على العرش استوى))
فقيل: معناه استولى، وقيل: بل هو إشارة إلى العلو والرفعة، وقيل: بل معناه أقبل على خلق العرش….. الخ
فهذا خلاف فى تأويل النص وفى كيفية صرف ظاهره عن أن يكون مراداً، ومثل ذلك مما لا يعتد به فى الخلاف لكونهم متفقين حول الوجه الذى أوجب التأويل وهو فى هذا المثال امتناع أن يكون سبحانه مشابهاً للحوادث. فقد مضوا جميعاً فى هذا الإطار وإن اختلفت تأويلاتهم.
وبعد، فهذه صور مما لا يعتد به فى الخلاف وهى موجودة فى كتب التفسير، وقد يقاس عليها غيرها مما هو فى معناها، وقد ذكرناها كى يتبين لنا أن كثيراً مما نقرأه فى كتب التفسير على أنه خلاف لا يعتبر كذلك فى الحقيقة.
المبحث الرابع
من صور اختلاف المعنى والتفسير بسبب
القراءات وضوابط الخروج منه
الصورة الأولى
الخلاف بين قراءة متواترة وأخرى شاذة
تصوير الخلاف بين المفسرين فى هذه الصورة:
قد ترد أحياناً آية بقراءتين، إحداهما متواترة، والأخرى شاذة، فيختلف تفسيرها عند المفسرين بسبب ذلك، حيث يفسرها بعضهم، معتمداً على القراءة المتواترة، بينما ينحاز بعضهم إلى القراءة الشاذة، فيقع التعارض، أو الخلاف.
القاعدة الحاسمة للخروج من هذا الخلاف:
نص القاعدة:
القراءة المتواترة هى الأصل ؛ لأنها قرآن مقطوع به، فلا تقوى على معارضتها قراءة شاذة.
توضيح القاعدة:
التواتر أقوى طرق الإثبات، ولذلك فإنه يفيد اليقين والقطع، والمتواتر: هو ما رواه جمع عن جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.