فابن مسعود وهو مَن علمنا إتقانا وضبطا وحسن أداء، مَنْ قال رسول الله ﷺ في حقه: "من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"[٧٧].
أنكر رضي الله عنه على هذا الرجل أن يقرأ كلمة (الفقراء) من غير مد ولم يرخص له في ذلك[٧٨] مع أن فعله وتركه سواء في عدم التأثير على دلالة الكلمة ومعناها ولكن لما كانت القراءة سنة متبعة وكيفياتها كذلك لم يقبل ابن مسعود من هذا الرجل أن يقرأ بغير ما قرأ به على رسول الله ﷺ حتى لا يكون غاشا له موافقا له على ما لم يقرأ به.
ويؤكد ابن مسعود رضي الله عنه الحض على الأخذ بالتجويد وأنه زينة التلاوة فيقول فيما رواه عنه الضحاك قال: قال عبد الله بن مسعود: جودوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات وأعربوه فإنه عربي والله يحب أن يعرب به[٧٩].
وعن زر بن حبيش رحمه الله تعالى قال: قرأ رجل على عبد الله بن مسعود (طه) ولم يكسر –أي لم يمل- فقال عبد الله بن مسعود (طه) وكسر ثم قال: والله هكذا علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم[٨٠].
وجاء رجل إلى الإمام نافع[٨١] ليقرأ عليه بالحدر[٨٢] فوجهه نافع إلى ما هو أنفع له من الحدر وهو بيان الكيفية التي يجب أن يقرأ بها كتاب الله عز وجل والمنهج القويم الذي سلكه الصحابة والتابعون في الأخذ والأداء.
أورد الداني بسنده قال: جاء رجل إلى نافع فقال: تأخذ على الحدر، فقال نافع ما الحدر؟ ما أعرفها أسمعنا قال فقرأ الرجل فقال نافع: الحدر، أو قال حدرنا، أن لا نسقط الإعراب، ولا ننفي الحروف، ولا نخفف مشددا، ولا نشدد مخففا، ولا نقصر ممدودا، ولا نمد مقصورا، قراءتنا قراءة أكابر أصحاب رسول الله ﷺ سهل جزل، لا نمضغ ولا نلوك، ننبر ولا نبتهر، نسهل ولا نشدد، نقرأ على أفصح اللغات وأمضاها، ولا نلتفت إلى أقاويل الشعراء وأصحاب اللغات، أصاغر عن أكابر مليّ عن وفيّ، ديننا دين العجائز، وقراءتنا قراءة المشايخ، نسمع في القرآن، ولا نستعمل فيه بالرأي، ثم تلا نافع[٨٣]: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ [٨٤].
قال الداني معقبا على هذه الرواية: «وهذا كلام من أيّد ووفّق ونُصر وفُهّم وجُعل إماماً عالماً وعلماً يُقْتفى أثره ويُتّبع سننه».


الصفحة التالية
Icon