وهذه الطريقة التي وصفها وبينها وأوضحها وعرّف أن الصحابة رضوان الله عليهم احتذوها هي التي يجب على قراء القرآن أن يمتثلوها في التحقيق، ويسلكوها في التجويد وينبذوا ما سواها مما هو مخالف لها وخارج عنها وعلى ذلك وجدنا الأئمة من القراء والأكابر من أهل الأداء. [٨٥]
نعم لقد عمل أئمة الإقراء الذين خصهم الله بحمل كتابه وشرفهم بالذب عن حياضه في كل عصر ومصر بهذه العبارات النيرة والتوجيهات الخيرة الصادرة من إمام دار الهجرة ورأس القراء السبعة الإمام نافع فجاءت مؤلفاتهم وأقوالهم شارحة وموضحة لذلك المنهج القويم والمسلك السليم ولا يشذ عنهم إلا من لا يعتد بقوله، فهم الحفظة الناقلون، والقراء المجودون.
ولعلي في هذه العجالة أن أقتبس بعض الشواهد على ما ذكرت من حضهم على الأخذ بالتجويد قولاً وعملاً، وعلى أي صفة كانت القراءة ترتيلاً أو تحقيقاً أو حدراً.
قال مكي[٨٦] رحمه الله تعالى في باب صفة من يجب أن يقرأ عليه وينقل عنه:
يجب على طالب القرآن أن يتخير لقراءته ونقله وضبطه أهل الديانة والصيانة والفهم في علوم القرآن والنفاذ في علم العربية والتجويد بحكاية ألفاظ القرآن وصحة النقل عن الأئمة المشهورين بالعلم.
فإذا اجتمع للمقرئ صحة الدين والسلامة في النقل والفهم في علوم القرآن، والنفاذ في علوم العربية والتجويد بحكاية ألفاظ القرآن كملت حالته ووجبت إمامته، وقد وصف من تقدمنا من العلماء المقرئين القراء فقال: القراء يتفاضلون في علم التجويد فمنهم من يعلمه رواية وقياساً وتمييزاً فذلك الحاذق الفطن، ومنهم من يعرفه سماعاً وتقليداً فذلك الوهن الضعيف لا يلبث أن يشك ويدخله التحريف والتصحيف إذا لم يبن على أصل ولا نقل عن فهم. [٨٧]
وقال في موضع آخر بعد فراغه من أبواب التجويد والفصول التي أوضح فيها القواعد اللازمة لذلك: والمقرئ إلى جميع ما ذكرناه في كتابنا هذا أحوج من القارئ لأنه إذا علِمَه علَّمه، وإذا لم يعلَمْه لم يعلّمه فاستوى في الجهل بالصواب في ذلك القارئ والمقرئ ويضل القارئ بضلال المقرئ فلا فضل لأحدهما على الآخر. [٨٨]


الصفحة التالية
Icon