فإن لرسم المصحف قواعده وضوابطه، ولكل حرف منه مخرجه وصفاته، ولكل لفظ منه كيفيته وأداءه.
وقد قيل في حال من يأخذ العلم عن الشيوخ ومن لم يأخذه عنهم:
يكن عن الزيغ والتصحيف في حرم
من يأخذ العلم عن شيخه مشافهة
فعلمه عند أهل العلم كالعدم[١٠٨]
ومن يكن آخذاً للعلم من صُحف
وقيل: لا تأخذوا القرآن من مصحفي ولا العلم من صحفي.[١٠٩]
وإن تعجب فعجب قول البعض إن القرآن نزل بلغة العرب والعربي يستطيع قراءته بطبعه فلا يحتاج إلى من يعلمه كيفية النطق به.
وهذا القول لا يصدر إلا ممن خانه فهمه، ولم يكن عن أهل الذكر آخذا علمه فإن أصاب فعلى غير هدى، وإن أخطأ فهو به أجدى ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [١١٠].
فإذا كان رسول الله ﷺ وهو أفصح من نطق بالضاد قد تلقى القرآن من جبريل عرضا وسماعا وأمر بالإنصات والإصغاء التام حتى يفرغ جبريل من القراءة ثم يقرأ هو بعد ذلك حسب ما سمع وتلقى كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [١١١]
وقال تعالى: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾[١١٢]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ قال: كان رسول الله ﷺ يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه، فأنزل الله تعالى: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾
قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾
قال: فاستمع له وأنصت ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ ثم إن علينا أن تقرأه.
فكان رسول الله ﷺ بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي ﷺ كما قرأه. [١١٣]
ويستفاد من هذه الآيات ما يأتي :
أولا : حفظ النص القرآني وهذا مأخوذ من قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ أي في صدرك فتحفظ نصه.
ثانياً : القراءة وكيفيتها وصفة أدائها وهذا مأخوذ من قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنَهُ﴾ أي وعلينا تعليمك قراءته، فالقرآن هنا مصدر بمعنى القراءة وليس علماً.


الصفحة التالية
Icon