وقال القرطبي في تفسيره: الترتيل في القراءة هو التأني فيها والتمهل وتبيين الحروف والحركات تشبيها بالثغر المرتل وهو المشبه بنَوْرِ الأقحوان وهو المطلوب في قراءة القرآن[٥٧].
وقال الزمخشري في الكشاف: ترتيل القرآن قراءته على ترسل وتؤدة بتبيين الحروف وإشباع الحركات حتى يجيء المتلو منه شبيهاً بالثغر المرتل وهو المفلج المشبه بنَوْرِ الأقحوان وأن لا يهذّه هذّاً ولا يسرده سرداً[٥٨].
وقال الشيرازي[٥٩] في كتابه الموضح: الترتيل هو من قولهم ثغر رتَل إذا كان مفلجاً وذلك إذا انفرج ما بين الأسنان على استواء فيها، وترتل في مسيره إذا تتابعت خطاه من غير سرعة، فكذلك الترتيل هو التأني في القراءة مع تفصيل الكلم بعضها من بعض جامع لشرائط التجويد والتقويم[٦٠].
وقال ابن الجزري: وقال علماؤنا: أي تلبث في قراءته وافصل الحرف من الحرف الذي بعده، ولا تستعجل فتدخل بعض الحروف في بعض[٦١].
بعد هذا العرض تبين لنا معنى الترتيل المأمور به، وأنه تبيين القراءة وإتباع بعضها بعضاً على تأن وتؤدة مع تجويد اللفظ وحسن تأديته وتقويمه وإخراجه من مخرجه، فهو الأصل ولذلك نوه الله بشأنه حينما أكد الفعل بالمصدر تعظيما لشأنه وترغيباً في ثوابه، ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾[٦٢]، ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ [٦٣].
وعلى هذا جاءت قراءته صلى الله عليه وسلم.
كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدّاً، ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد ببسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم. [٦٤]
قال الداني مبيناً وجه الاستدلال من هذا الحديث على وجوب الأخذ بالتجويد: وهذا حديث مخرّج من الصحيح، وهو أصل في تحقيق القراءة، وتجويد الألفاظ، وإخراج الحروف من مواضعها، والنطق بها على مراتبها، وإيفائها صيغتها، وكل حق هو لها، من تلخيص وتبيين ومدّ وتمكين وإطباق وتفش وصفير وغنة وتكرير واستطالة وغير ذلك، على مقدار الصيغة وطبع الخلقة، من غير زيادة ولا نقصان[٦٥].
رحم الله الداني ما أوسع علمه، وأجزل لفظه، وأحكم عبارته كيف لا وهو حصن حصين وسند في القراءة متين.
فقد رأيت من تخبط في فهم هذا الحديث فلم يعرف المراد بالمد فيه فقال: القراء لا يثبتون مداً في هذه المواضع الثلاثة...
ومن قائل: إذا كان أداء القرآن – تجويده – متلقى بالتواتر عن النبي ﷺ أين دليله النصي ؟


الصفحة التالية
Icon