جعل علماء الوقف وغيرهم هذا الحديث أصلا في باب الوقف على رؤوس الآي (١) وفيه ما قد ذكرت من العلل، والاختلاف في ألفاظه، ولكن الحديث بمجموع ألفاظه وطرقه إنما يدل على التأني والترسل والتمهل في قراءة النبي ﷺ وذلك مستفاد أيضا من وصف أنس لقراءة النبي ﷺ حين سئل عن قراءة النبي ﷺ : فقال :( كانت مدا، ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم : يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم ) (٢). وقد أمر الله تعالى نبيه أن يرتل القرآن فقال :( ورتل القرآن ترتيلا ). (٣) قيل في معناها : بينه تبيينا (٤) وترسل فيه ترسلا (٥). وذلك أدعى لفهم القارئ ولفهم المستمعين وهو المقصد الأعظم من إنزال القرآن فما أنزل الله كتابه على عباده إلا ليتدبروه ويتفهموا مراد الله تعالى ولذا كان النبي ﷺ يقرأه كما وصف أنس وكما أخبرت أم سلمة :( قراءة مفسرة حرفا حرفا ). وفي الرواية الأخرة ذكر الراوي الترسّل. فكان ﷺ يقرأه كما أمره ربه تعالى :( وقرآن فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ) (٦) قال مجاهد وغيره على تؤدة (٧).
وهذا ما جعل أكثر السلف يفضلون القراءة المتأنية المترسلة، فثبت أن مجاهدا رحمه الله تعالى سئل عن رجلين أحدهما قرأ البقرة وآل عمران والآخر قرأ البقرة قيامهما واحد وركوعهما وسجودهما واحد وجلوسهما واحد، أيهما أفضل ؟ قال : الذي قرأ البقرة، ثم قرأ :( وقرآن فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ).

(١) المكتفى ص ١٤٧
(٢) رواه البخاري : فتح الباري ٩ / ٩٠ –٩١ و أحمد : ٣ / ١١٩ وأبو داود والنسائي والدارقطني واللفظ له ( سنن الدارقطني ١ / ٣٠٨ رقم ( ٢٣ ) ) وينظر : التمهيد لأبي العلاء الهمذاني فقد توسع في ذكر طرقه.
(٣) المزمل : ٤
(٤) قاله ابن عباس رواه عنه ابن أبي شيبة في المصنف :( ١٠ / ٥٢٦ )و وأحمد بن منيع في مسنده كما في المطالب العاليه : ٤ / رقم ( ٣٧٧٧ ) والطبري في تفسيره :( ٢٩ / ١٢٧ ) والآجري في أخلاق حملة القرآن رقم ( ٨٧ ) وابن النحاس ١ / ٧٤.
(٥) تفسير الطبري: ( ٢٩ / ١٢٧ ) و تفسير البغوي ٨ / ٢٥٠ والتمهيد في معرفة التجويد لأبي العلاء الهمذاني صـ١٤٤ – ١٤٧وتفسير ابن كثير ٤ / ٣٦٣. وقد سبق الكلام على الآية أول هذه الرسالة.
(٦) الإسراء : ١٠٦
(٧) تفسير الطبري ١٥ / ١٧٩ وأخلاق حملة القرآن للآجري : رقم ( ٨٨ )


الصفحة التالية
Icon