ولذا حظ أئمة الحفاظ على جمع طرق الأحاديث كما هو معلوم. وألفاظ الحديث المتقدم تدل على التمهل والتأني في القراءة وتبيين الحروف وذلك يستنبط منه مراعاة الوقف على رؤوس الآي فإن رؤوس الآي مقاطع في أنفسهن، وأكثر ما يوجد التام عندهن، قال ابن النحاس :( من التبيين تفصيل الحروف والوقف على ما تم معناه منها ). (١) فليس في الحديث نص على تعمد النبي ﷺ الوقف على رؤوس الآي في كل حين، كما يدعيه بعض القراء المتأخرين، فضلا عن الاستدلال به على أن النبي ﷺ كان يقف على رؤوس الآي حتى وإن اشتد تعلقها بما بعدها وهو ما نستثنيه بلا شك.
فمعنى الروايات دل على التمهل والترسل في القراءة وإن أمكن أن يستنبط من ذلك مراعاة الوقوف عند تمام المعاني فلا بأس كما فعله بعض العلماء كابن النحاس والسخاوي وأما القول بأن النبي ﷺ كان يواظب على ذلك فلا يساعده النقل و لا يؤيده المعنى وهذه الروايات قد ذكرتها وليس فيها إلا ما ذكرت. والله أعلم.
وقد قيل في الجواب عن الحديث بأنه جاء لتعليم الفواصل ولبيان لجواز لا للتعبد فلا يكون الوقف عليها سنة إذ لا يسن إلا ما فعله ﷺ تعبدا. (٢). وقد أطال الشيخ الضباع رحمه الله (٣) في ترجيح القول بسنية الوقف مطلقا ومرجع كلامه وكلام غيره من المتأخرين دائر حول تعميم بعض ألفاظ الحديث الوارد ظنا منهم أن الوقف على رؤوس الآي ثابت أنه سنة لا يختلف في ثبوتها وأن ألفاظ الحديث لم يضطرب فيها الرواة.
لكن الراجح ما ذكرته وكثير من القراء المتأخرين مقلدين في تخريج الحديث فضلا عن الحكم عليه والنظر في كلام الأئمة النقاد فيه حتى أن بعضهم عزا تخريج حديث أم سلمة المتقدم إلى الصحيحين (٤).
*والأوصاف الثابتة لقراءة النبي ﷺ : ثلاثة :

(١) القطع والائتناف صـ ١ / ٧٤ وقد سبق نقله.
(٢) المنح الفكرية للقاري الحنفي صـ ٢٥٥ والإضاءة في بيان أصول القراءة للشيخ علي محمد الضباع ص ٥٥.
(٣) الإضاءة في بيان أصول القراءة للشيخ علي محمد الضباع ص ٥٥
(٤) وهم الشيخ العلامة زكريا الأنصاري فعزاه إلى الصحيحين ونقل ذلك عنه الشيخ ملا قاري و لم يتعقبه المنح الفكرية للقاري الحنفي صـ٢٦٩.


الصفحة التالية
Icon