وقد قوى ذلك عند العلماء رحمهم الله تعالى أن رؤوس الآي مقاطع في أنفسهن، وأكثر ما يوجد التام فيهن، حتى كان جماعة من العلماء يستحبون (١) القطع عليهن وإن تعلق كلام بعضهن ببعض، وهذا عندهم ما لم يشتد التعلق فيتغير بالوقف المعنى ؛ وبناء على هذا حكى ابن النحاس عن بعض النحاة تفضيل الوقف على ( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) (٢)وإن تعلقت بما بعدها لأنها رأس آية (٣)، لكن هذا الوقف على :( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة: ٢)، لم يشتد فيه تعلق الآية بما بعدها، ولم يتغير المعنى أو يقبح بالوقف، فهو إما وقف تام عند بعض علماء الوقف على تقدير جعل ما بعدها : وهو ( الذين ) في موضع رفع على الابتداء أو خبرا لمبتدأ محذوف تقديره :( هم الذين ) أو في موضع نصب بمحذوف : تقديره : أعني. فلا تعلق له من جهة الإعراب بـ ( المتقين ). وإما أنه وقف حسن إذا كان نعتا ( للمتقين ) وهو أولى.
ويقاس على هذا غيره مما يطول جدا الكلام عليه من رؤوس الآي التي يحسن الوقف عليها.
ثم إنه ليس في الحديث - فيما ظهر – دلالة على مداومة النبي على ذلك، بل هناك ما يدل على خلاف ذلك، وهو أن النبي ﷺ لو كان من شأنه المداومة على ذلك ولو غالبا فإنه لابد أن ينقل إلينا ذلك من غير طريق ابن أبي مليكة، فلما لم نجد ذلك عن النبي ﷺ مسندا من غير طريق ابن أبي مليكة، علمنا أنه لم يكن من شأنه ﷺ مراعاة ذلك على الدوام، قال الإمام الجعبري :( وهم فيه من سماه وقف السنة لأن فعله ﷺ إن كان تعبدا فهو مشروع لنا وإن كان لغيره فلا ) اهـ. ( (٤) )
كأنه يعني إن كان وقفه ﷺ عليها لأن المعنى يتم عندهن في الغالب، أو لمعنى آخر كبيان رأس الآية، فلا دليل على كون الوقف على رؤوس الآيات سنة.
و المقصود أن أكثر القراء صاروا إلى مراعاة المعنى، وإن لم يكن رأس آية كما نقله عنهم الزركشي رحمه الله تعالى فإنه قال :( واعلم أن أكثر القراء يبتغون في الوقف المعنى وإن لم يكن رأس
آية ) اهـ. (٥)
وإليه يشير قول السخاوي :( وأجاز جماعة من القراء الوقف على رؤوس الآي عملا بالحديث) اهـ. (٦)
(٢) البقرة -آية-٢
(٣) القطع ص١١٤
(٤) البرهان ١ / ١٨٧.
(٥) البرهان ١/٥٠٥
(٦) جمال القراء ٥٥٣