وقد توفي الرسول ﷺ وقام أبو بكر رضي الله عنه بأمر الأمة و القرآن مكتوب بهذه الكيفية، ولما كان حرب اليمامة أول خلافة الصديق واستشهد فيه كثير من الصحابة جاء عمر رضي الله عنه إلى أبي بكر وأشار عليه بجمع القرآن في مصحف واحد خشية أن يذهب بذهاب الصحابة الذين سمعوه من الرسول وكتبوه في حضرته فتوقف في ذلك من حيث أن النبي ﷺ لم يأمر في ذلك بشئ، ثم شرح الله صدر أبي بكر لما أشار به عمر، فاجتمع رأيه ورأي الصحابة على ذلك فأمر زيد بن ثابت في جملة من الصحابة بتتبع القرآن وجمعه في صحف، فقام زيد بالأمر بكمال التحري وعرض المحفوظ على المكتوب بحضرة الرسول وإقرار الصحابة عليه حتى تممه في الصحف وصارت عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، ولما كانت سنة خمس وعشرين من الهجرة في خلافة عثمان رضي الله عنه حضر حذيفة بن اليمان فتح أرمينية وأذربيجان فرأى الناس يختلفون في القرآن ويقول أحدهم للآخر قراءتي أصح من قراءتك فأفزعه ذلك وقدم على عثمان وقال له أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف لننسخها ثم نردها إليك، فأرسلتها إليه فأمر زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث وعبد الله بن الزبير أن ينسخوها في المصاحف وقال : إذا اختلفتم أنتم وزيد في شئ فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم، فكتبوا منها عدة مصاحف على اللفظ الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة على الرسول ﷺ، فوجه بمصحف إلى البصرة وبمصحف إلى اليمن وإلى البحرين وبمصحف إلى مكة وبمصحف إلى الشام وبمصحف إلى الكوفة وترك بالمدينة مصحفا وأمسك لنفسه مصحفا وهو الذي يقال له الإمام، واجتمعت الأمة المعصومة من الخطأ على ما تضمنته هذه المصاحف وترك ماخالفها من زيادة ونقص وإبدال كلمة بأخرى مما كان مأذونا