وقد بلغ الإفراط ببعض المؤرخين(١) إلى أن قال في مرسوم الصحابة مالا يليق بعظيم علمهم الراسخ وشريف مقامهم الباذخ فأباك أن تغتر به. ولا التفات إلى ما ذكره بغض المتأخرين من أن ما ذكر من وجوب اتباع رسم المصحف العثماني إنما كان في الصدر الأول والعلم غض حي. وأما الآن فقد يخشى الالتباس اهـ ولا إلى قول شيخ الإسلام (العز بن عبد السلام) لا تجوز كتابة المصحف الآن على المرسوم الأول باصطلاح الأئمة لئلا يوقع في تغيير من الجهال اهـ (ذكره في الإتحاف نقلا عن اللطائف)-لأن هذا كما لا يخفى يؤدى إلى درس العلم و لا ينبغي أن يترك شيء قد احكمه السلف مراعاة لجهل الجاهلين سيما انه أحد الأركان التي عليها التي عليها مدار القراءات فضلا عما يؤدي إليه من ضياع القراءات المتواترة بضياع أحد أركان القرآن. ومن تطرف التحريف إلى الكتاب الشريف بتغيير رسمه من جواز هدم كثير من العلوم قياساً على هدمه بدعوى سهولة التناول للعموم.
على أن بقاء المصحف على رسمه العثماني يدل على فوائد كثيرة وأسرار شتى
(١) منها الدلالة على الأصل في الشكل والحروف ككتابة الحركات حروفا باعتبار أصلها في نحو إيتاءي ذي القربى وسأوريكم. ولأاوضعوا. وككتابة الصلواة والزكواة. والحيوة بالواو بدل الألف.
(٢) ومنها النص على بعض اللغات الفصيحة ككتابة هاء التأنيث بتاء مجرورة على لغة طئ وكحذف ياء المضارع لغير جازم في يوم يأت لا تكلم نفس على لغة هذيل
(٣) ومنها إفادة المعاني المختلفة بالقطع والوصل في بعض الكلمات نحو: أم من يكون عليهم وكيلا. وأمن يمشي سويا. فان قطع أم عن من يفيد معنى بل دون وصلها بها
(٤) ومنها أخذ القراءات المختلفة من اللفظ المرسوم برسم واحد. نحو: وما يخدعون إلا أنفسهم. وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا. فلو كتبت الأولى وما يخدعون لفاتت قراءة يخدعون. ولو كتبت الثانية ألف على قراءة الجمع لفاتت قراءة الأفراد. ورسمت التاء مجرورة لأفاد ما ذكر