التقديم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فكتاب إعراب القرآن لابن هشام الأنصاري جدير بالنشر لسببين:
أولهما: علو مكانة مؤلفه ومقدرته الفائقة في صناعة النحو.
وثانيهما: أن الكتاب وإن صغر حجمه، قد عظم قدره، فالمؤلف قد تناول فيه ستا وأربعين مسألة وأجوبتها، منها اثنتان في الحديث الشريف والباقي في آيات من القرآن الكريم، ثم ختم الكتاب ببحث في الأثر الوارد (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه).
وهذه المسائل قال المؤلف: سئلت عنها بالحجاز عام سبعة وأربعين وسبعمائة ـ أي كانت قبل انتهائه من كتاب مغني اللبيب ـ بعامين. إذ يقول في مقدمة كتابه المغني: وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة، أنشأت بمكة المكرمة ـ زادها الله شرفا ـ كتابا في
يسقون١ من ورد البريص عليهم | بردى يصفق بالرحيق السلسل٢ |
أي ماء بردى. وجوز بعضهم وجها رابعا، وهو أن يكون حالا من الضمير المضاف إليه المزاج وفيه بعد.
مسألة: أين مفعول رأيت من قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً﴾ ٣؟
الجواب: قال المحققون: لا مفعول لها. وقال قوم: لها مفعول. واختلف هؤلاء، فقيل: موصول حذف وبقيت صلته، والتقدير: إذا رأيت ما ثم قيل: ومثله ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ ٤ أي ما بينكم. ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ ٥ أي ما بيني. وقيل: مذكور وهو نفس. ثم يرد الأول أن الموصول وصلته كالكلمة الواحدة، فلا يحسن حذف أحدهماوبقاء الآخر. والثاني: أن ثم لم تستعمل في العربية إلا ظرفا، كقوله تعالى: ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ﴾ ٦ أو يجرون بمن أو بإلى.
٢ أراد ماء بردى. وبردى نهردمشق. والرحيق: الخمر. والسلسل: السهلة السلسلة. يصفق: يمزج. أما البريص بالصاد المهملة فقد اختلفوا فيه، فقال أكثرهم: إنه نهر دمشق، ورأى البعض أنه غوطة دمشق. (ديوان حسان بن ثابت تحقيق د. وليد عرفات جـ ٢ ص ٧٤ ط. بيروت)
٣ سورة الإنسان من الآية (٩٤) وتمامها ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً﴾.
٤ سورة الأنعام من الآية (٩٤) وتمامها ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾.
٥ من سورة الكهف من الآية ٧٨ وتمامها ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾.
٦ سورة الشعراء الآية ٦٤.