وأما النقص فلم يتعرض للتنبيه عليه أكثر الأئمة، وكلام الشاطبى رحمه الله يقتضى عدمه، والصحيح جوازه، لما ورد، فقد نص الحلواني في جامعه على جواز ذلك، فقال: وليس للاستعاذة حد تنتهي إليه، من شاء زاد ومن شاء نقص أى بحسب الرواية كما سيأتي. وفى سنن أبي داود من حديث جبير بن مطعم أعوذ بالله من الشيطان من غير ذكر الرجيم. وكذا رواه غيره وتقدم في حديث أبي هريرة في رواية النسائي: ( اللهم اعصمني من الشيطان ) من غير ذكر الرجيم.
فهذا الذي وصل إلينا في الاستعاذة من الشيطان في حالة القراءة وغيرها، ولا ينبغي أن يعدل عما صح منه حسبما تبين، ولا يعدل عما ورد عن السلف الصالح فإنما نحن متبعون لا مبتدعون. قال الجعبرى في شرح قول الشاطبى: ( وإن تزد لربك تنزيها فلست مجهلاً ) هذه الزيادة وإن أطلقها وخصها فهي مقيدة بالرواية وعامة في غير التنزيه.
* * *
المبحث الرابع: في حكم الجهر بها والإخفاء: وفيه مسائل:
الأولى: أن المختار عند أئمة القراءة هو الجهر بها لا خلاف في ذلك عن أحد منهم إلا ما جاء عن حمزة وغيره مما نذكره. وفى كل حال من أحوال القراءة كما سنبين.
قال الحافظ أبو عمرو في جامعه: ولا أعلم خلافا في الجهر بالاستعاذة عن افتتاح القرآن وعند ابتداء كل قارئ بعرض أو درس أو تلقين في جميع القرآن إلا ما جاء عن نافع وحمزة، ثم روى عن ابن المسيبى أنه سئل عن استعاذة المدينة أيجهرون بها أم يخفونها ؟ قال: ما كنا نجهر ولا نخفى ما كنا نستعيذ البتة.
وروى عن أبيه عن نافع أنه كان يخفى الاستعاذة ويجهر بالبسملة عند افتتاح السور ورءوس الآي في جميع القرآن، وروى أيضا عن الحلواني، قال: قال خلف: كنا نقرأ على سليم فنخفى التعوذ ونجهر بالبسملة في الحمد خاصة، ونخفى التعوذ والبسملة في سائر القرآن نجهر برءوس أثمنتها، وكانوا يقرءون على حمزة فيفعلون ذلك، قال الحلواني: وقرأت على خلاد ففعلت ذلك.