الثانية: أطلقوا اختيار الجهر في الاستعاذة مطلقا ولابد من تقييده، وقد قيده الإمام أبو شامة رحمه الله بحضرة من يسمع قراءته ولابد من ذلك، قال: لأن الجهر بالتعوذ إظهار لشعار القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيد، ومن فوائده أن السامع ينصت للقراءة من أولها ولا يفوته منها شئ، وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن فاته من المقروء شئ، وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة خارج الصلاة وفى الصلاة فإن المختار في الصلاة الإخفاء لأن المأموم منصت من أول الإحرام بالصلاة.
وقال الشيخ محيى الدين النووي رحمه الله: إذا تعوذت في الصلاة التي يسر فيها بالقراءة أسر التعوذ، فإن تعوذ في التي يجهر فيها بالقراءة فهل يجهر ؟ فيه خلاف، من أصحابنا من قال يسر.
وقال الجمهور: للشافعي في المسألة قولان:
أحدهما: يستوي الجهر والإسرار وهو نصه في الأم.
والثاني: يسن الجهر وهو نصه في الإملاء.
ومنهم من قال قولان: أحدهما يجهر، صححه الشيخ أبو حامد الاسفرايينى إمام إمام أصحابنا العراقيين وصاحبه المحاملى وغيره، وهو الذي كان يفعله أبو هريرة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسر وهو الأصح عند جمهور أصحابنا، وهو المختار.
قال ابن الجزرى: حكى صاحب البيان القولين على وجه آخر. فقال: أحد القولين أنه يتخير بين الجهر والسر ولا ترجيح.
والثاني: يستحب فيه الجهر.
ثم نقل عن أبي على الطبري أنه يستحب فيه الإسرار وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد ومذهب مالك في قيام رمضان، ومن المواضع التي يستحب فيها الإخفاء ما إذا قرأ خاليا سواء قرأ سرا أو جهرا ومنها إذا قرأ سرا فإنه يسر أيضا، ومنها إذا قرأ في الدور ولم يكن في قراءته مبتدئا يسر التعوذ لتتصل القراءة ولا يتخللها أجنبي، فإن المعنى الذي من أجله استحب الجهر وهو الإنصات فقط في هذه المواضع.