ويهمنا من هذا هنا ما يكون لابن أبي المهاجر ـ والي عمر بن عبد العزيز ـ من أثر في وضع اللبنات الأولى لهذه الدراسة المحدثة، لأنه ما من شك عندنا في أن لها تأثيرا كبيرا في توحيد القراءة والأداء على نمط واحد ولا تتأتى مع تباين القراءات، لما يؤدي إليه ذلك من التفاوت في الأداء بسبب الخلاف في أصول القراءات وفرشها. وسواء كانت القراءة التي اعتمدت في هذه القراءة الجماعية قراءة ابن عامر تبعا لما رأينا من المؤثرات الشامية، أم قراءة نافع من رواية ورش أو غيره تبعا لوصول طلائع الرواة عنه إلى افريقية في زمنه ـ كما سيأتي ـ وظهور مدرسة ورش القوية في مصر بعد منتصف المائة الثانية، فان ذلك يفيدنا في تقدير اجتماع كثير من الناس على بعض قراءات السبعة المطابقة لمصحف الجماعة، وقد اختاروها على غيرها لهذا الاعتبار، وسيأتي الحديث عن وصول طائفة أخرى من الروايات عن السبعة وغيرهم إلى افريقية وغيرها لهذا العهد وتلاقحها جميعا ثم تنافسها على الحظوة بالمكانة الأولى في المساجد الجامعة والتعليم والإقراء إلى أن كانت الغلبة لقراءة نافع.
أما باقي رجال البعثة العمرية فهم:
٣- أبو ثمامة بكر بن سوادة الجذامي المصري الشامي الأصل
"كان رجلا فاضلا جليلا، روى عن جماعة من الصحابة، منهم عقبة بن عامر وسهل بن سعد الساعدي وسفيان بن وهب الخولاني وأبو ثور الفهمي، وروى عن جماعة من التابعين، منهم سعيد بن المسيب وابن شهاب الزهري، قال أبو سعيد بن يونس:
"كان فقيها مفتيا سكن القيروان، وكانت وفاته بها سنة ١٢٨ ـ رحمه الله تعالى ـ، ويقال انه غرق في مجاز الأندلس، وكان أحد العشرة التابعين"(١)
٤- جعثل بن عاهان بن عمير أبو سعيد الرعيني المصري

(١) - رياض النفوس للمالكي ١/١١٢-١١٣ ترجمة ٣٦.

ثم سمى الأئمة السبعة مبتدئا بنافع بن أبي نعيم ومنتهيا بأبي الحسن علي بن حمزة الكسائي، ثم انتقل إلى ذكر رواياتهم فقال: "فأما قراءة نافع فقرأها من رواية أبي عمرو(١) عثمان بن سعيد المعروف بورش من طريق أبي يعقوب يوسف بن عمرو بن يسار الأزرق، ومن رواية أبي موسى عيسى بن مينا المعروف بقالون من طريق أبي نشيط محمد بن هارون... ثم تابع باقي الرواة عن السبعة وقال:
"وقد أجزت له ـ وفقه الله ـ جميع القراءات السبع من الروايات والطرق المنصوصة على سبيل الإجازة والرواية وأذنت له أن يقرأ ويقرئ بها على حسب ما قرأها علي وأخذها عني وسمعها مني، وعلى حسب ما نص عليه الإمام الحافظ المقرئ اللغوي أبو عمرو في مصنفاته التي سمع بعضها علي، ولا يخالف ذلك ولا يتعداه إلى غيره، فهو الطريق الواضح والسبيل الناجح إن شاء الله تعالى".
"وقد قرأت القرآن بهذه القراءات من الطرق المذكورة على الإمام المقرئ الزاهد أبي داود ـ رضي الله عنه ـ حدثني بها عن شيخه الحافظ أبي عمرو عن شيوخه المذكورة أسانيد قراءتهم في "التيسير" وغيره من مؤلفاته رحمه الله، وكذلك أجزت له جميع ما أحمله من الشيخ الإمام المقرئ المذكور عن شيوخه من القراءات والتفسير والناسخ والمنسوخ والمعاني والاعراب والغريب والمشكل والأحكام وعدد الآي والسجدات والرقائق وسائر المصنفات في الحديث والفقه من الجامعات والمختصرات وغير ذلك... ثم أخذ في تسمية شيوخ أبي داود مبتدئا بأبي عمر يوسف بن عبد البر وأبي الوليد الباجي... ثم قال:
(١) - هذه إحدى كنى ورش، وقد اختار ابن بري منها كنيته الأخرى فقال: على الذي روى أبو سعيد.." وهي المستعملة في كتب المغاربة، ولهذا اخترتها في عنوان هذا البحث.


الصفحة التالية
Icon