واستكمالا منا للصورة عن هذه الحقبة بافريقية نرى أن نتحدث قليلا عن الجيل الأول الذي مثل الطبقة الأولى من قراء افريقية والجهات التابعة لها، من أبناء المنطقة أو من نشأوا فيها أو الواردين عليها ممن نسب إليهم إسهام في القراءة والإقراء أو عرف لهم تأثير ما في مجال الإقراء والتعليم على ما نجده في الكتب التاريخية من قلة الحفل بأخبار هذا الشأن والعناية بتفاصيل كافية فيه، مما ضاع معه تاريخ القراءة في المنطقة، وضاقت معه مساحة الاستفادة من تراجم العلماء المذكورين في كتب التراجم، إذ لا يكاد أحد من أصحابها يتجاوز الحديث عن العموميات والعبارات العامة المقتضبة. على أننا أيضا لا نريد بعملنا تقديم إحصاء عن شخصيات العصر ممن يعزون إلى نقل العلم والرواية، وإنما غرضنا الإلمام بذكر بعض الشخصيات التي كان لها شفوف وتفوق على أهل العصر بتنصيص المصادر على نشاط لها في القراءة أو رحلة مهمة في طلب العلم إلى مصر من الأمصار التي تزدهر فيها، أو رحلة من هذا المصر إلى بعض الجهات الافريقية، مما نرجو أن يساعدنا على تمثل سليم قريب من الواقع التاريخي الذي عرفه تطور القراءات بهذه الجهات.
الرواة عن الصحابة وعن التابعين الكبار من قراء المنطقة:
فممن ذكروا بالرواية عن الصحابة وأكابر التابعين:
١- أبو رشدين حنش بن عبد الله السبائي الصنعاني "من أهل الفضل والدين، يروي عن جماعة من الصحابة منهم علي وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبو الدرداء وفضالة بن عبيد ورويفع بن ثابت. ويروي عنه الحارث بن يزيد وابن أنعم وقيس بن الحجاج وعامر بن يحيى وجماعة، ولد بصنعاء اليمن وغزا المغرب، وسكن القيروان، واختط بها دارا ومسجدا ينسب إليه، وله بافريقية آثار ومقامات، وشهد غزو الأندلس مع موسى بن نصير، وعاش بعد الفتح إلى سنة ١٠٠ هـ فتوفي بافريقية"(١).
وللشاطبي شيوخ آخرون في الحديث وغيره ذكرهم المترجمون له، ومما ذكرناه يتبين أنه أخذ القراءات عن أهم رجال المدرسة الأثرية في شرق الاندلس في زمنه، كما روى تراث الأئمة في القراءات وقد رأينا أنه روى كتاب شرح الهداية للمهدوي في توجيه ما في "الهداية" من قراءات للسبعة، كما سمع الحروف من كتاب "الكافي" لابن شريح، بالإضافة إلى ما عرضه من تراث أبي عمرو على أبي الحسن بن هذيل وغيره، ومنه كتاب "التيسير" الذي عرضه عليه من حفظه لأول وروده عليه، و"كتاب الاقتصاد في القراءات السبع" الذي يعتبر "التيسير" ـ كما قدمنا ـ مختصرا له، ومعنى هذا أنه استوعب أهم مصنفات المدارس الثلاث الكبرى السائدة في الأندلس على عهده أعني تراث المدرسة "التنظيرية (القياسية) القيروانية، والمدرسة الأثرية الدانية والمدرسة التوفيقية الشريحية.
إلا أن الغالب على تكوينه ـ كما رأينا ـ بحكم نشأته والمجال الذي تلقى القراءة فيه ـ هو الأخذ بمذاهب المدرسة الأثرية، ولذلك سيكون له منذ الآن شأن وأي شأن في تاريخ القراءة وعلومها تبعا واستجابة لهذا التكوين، وعلى الأخص في زعامة الاتجاه الأثري على مذاهب أبي عمرو، وفي تفرغه لتراث مدرسته في القراءة ورسم المصحف وعدد آيه وما يتعلق بذلك من علوم، مما كفل لهذا الاتجاه الانتشار الواسع في أقطار الأرض، والهيمنة الكاملة على ميدان الإقراء منذ زمنه إلى اليوم.
مكانة العلمية وثناء أصحابه وجماعة من العلماء عليه وما ألف في مناقبه
وصفه صاحبه علم الدين السخاوي في صدر شرحه على قصيدته بقوله: