وقد أشرنا من قبل إلى مصحفه الذي كان يتهجد وهو بجواره، فإذا تعايا في آية نظر فيه(١).
وقد ذكر الحميدي ما يدل على وجود طويل له في المنطقة، لأنه دخل في حملة رويفع بن ثابت الأنصاري الذي ولاه معاوية على طرابلس سنة ٤٦ هـ وغزا افريقية من قبل مسلمة بن مخلد، ومات ببرقة وهو أمير عليها(٢)ـ، وكان حنش مع علي بن أبي طالب في الكوفة، وقدم مصر بعد قتله فأقام فيها حتى كانت حملة رويفع(٣). وعلى كل حال فقد كان من أقدم "الأطر" العلمية في المنطقة، ولهذا فنحن نعتبره في طليعة قرائها الذين كانت تروى عنهم القراءة وتؤخذ عنهم، وربما كان لنا أن نجزم بالنظر إلى تعدد مصادره وكثرة تنقله وتردده بين أكثر من جهة ومصر، أنه كان قد عرف أكثر من قراءة من قراءات الصحابة فيكون في قراءته قد اختار من مروياته حروفه الخاصة به، لاسيما بعد ظهور المصاحف العثمانية في الأمصار ودعوة القراء إلى القراءة بمضمنها.
٢- أبو سعيد المقبري، واسمه كيسان مولى لبني ليث، وكان من فضلاء التابعين، روى عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وأبو هريرة وكان مختصا به، وروى عنه جماعة من المحدثين منهم يزيد بن أبي حبيب وابن أنعم، سكن القيروان وروى عنه أهلها إلى أن توفي سنة ١٠٠ هـ(٤).
٣- أبو غطيف المدني واسمه جندب بن بشر وقيل حبيب، "من فضلاء التابعين يروي عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وهو عمدته في الرواية، حدث عنه ابن أنعم وموسى بن علي بن رباح سكن القيروان واختط بها، وتزوج بنت بكر بن سوادة ـ أحد أفراد البعثة العمرية ـ(٥).
(٢) - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لابن مخلوف – التتمة ٩٩.
(٣) - جذوة المقتبس ٢٠١-٢٠٣ ترجمة ٤٠٣.
(٤) - رياض النفوس ١/١٢٣-١٢٤ ترجمة ٤٣.
(٥) - رياض النفوس ١/١٢٢ ترجمة ٤٢.
"كان عالما بكتاب الله بقراءاته وتفسيره، عالما بحديث رسول الله ـ ﷺ ـ مبرزا فيه، وكان إذا قرئ عليه البخاري ومسلم والموطأ تصحح عليه النسخ من حفظه، ويملي النكت على المواضع المحتاج إلى ذلك فيها، وأخبرني أنه نظم "كتاب التمهيد"(١) لابن عبد البر ـ رحمه الله ـ قصيدة دالية في خمسمائة بيت من حفظها أحاط بالكتاب علما، وكان مبرزا في علم النحو والعربية، عالما بعلم الرؤيا، حسن المقاصد، مخلصا فيما يقول ويفعل.. وكان يجتنب فضول القول ولا يتكلم في سائر أوقاته إلا بما تدعو إليه الضرورة، ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة، في هيئة حسنة وخضوع واستكانة، ويمنع جلساءه من الخوض والحديث في شيء، إلا في العلم والقرآن، وكان يعتل العلة الشديدة فلا يشتكي ولا يتأوه، وإذا سئل عن حاله قال: "العافية"، لا يزيد على ذلك"(٢).
وقال السخاوي أيضا في كتابه "جمال القراء" بعد أن ساق كثيرا من الآثار تحت عنوان "آداب حملة القرآن" وذكر من شمائلهم وأخلاقهم فأطال: "وقد كان شيخنا أبو القاسم الشاطبي ـ رحمه الله ـ صاحب هذه الأوصاف جميعها، وبما زاد عليها"(٣).
(٢) - فتح الوصيد في شرح القصيد للسخاوي (لوحة ٣ـ٤). ونقل كلامه ابن خلكان في الوفيات ٤/٧١ـ٧٢ ترجمة ٥٣٧. والفقطي في انباه الرواة ٤/١٦١ ترجمة ٩٤٢.
(٣) - جمال القراء ١/١١٣ـ١١٩.