وكثير غيرهم ممن ذكر المالكي وغيره من التابعين الذين كانوا البذور الأولى للمدرسة القرآنية في افريقية والمغرب، كما كانوا يمثلون امتدادات الطور الثاني من أطوار القراءة في الغالب لتعدد مصادر الأخذ عندهم ومعاصرتهم للحركة الرسمية التي رافقت المصحف الإمام في عموم الأمصار بغية الوصول إلى توحيد الأخذ بالقراءات المتواترة وترك الشواذ، فكانوا كما أسلفنا صلة الوصل بين هذا الطور والذي يليه مما سنقف عليه، وهو ما سميناه "طور الاستقرار على قراءة مختارة"، إلا أننا ههنا سنسميه احتياطا باسم "طور العمل على توحيد القراءة في المناطق المغربية على قراءة جامعة، وذلك لأن هذا العمل بهذه الجهات كان عملا مضنيا اقتضى من علماء المنطقة وأئمة الإقراء جهادا طويلا استغرق في بعض الجهات أزيد من مائتي عام.
ج- طور العمل على توحيد القراءة في المنطقة المغربية على قراءة جامعة
ومما قال الإمام برهان الدين الجعبري في الثناء عليه رغم فارق الزمان بينه وبينه قوله:

سقت سحب الرضوان طلا ووابلا ثرى ضم شخص الشاطبي المسدد
إمام فريد بارع متورع صبور طهور ذي عفاف مؤيد
زكا علمه فاختاره الناس قدوة فكم عالم من دره متقلد
هنيئا ولي الله بالخلد ثاويا بعيش رغيد في ظلال مؤبد
عليك سلام الله حيا وميتا وحييت بالاكرام يا خير مرشد(١)
وعلى العموم فإن مقدار هذا الإمام لا تفي به الكلمات، ويكفي في إدراك عظيم مكانه ومكانته في علوم الرواية وغيرها، أننا نجده مترجما في عامة الطبقات، فهو عند الفقطي والسيوطي وغيرهما في علماء اللغة والنحو(٢) وعند الذهبي وابن الجزري في طبقات القراء(٣)، وعند الداودي وغيره في طبقات المفسرين(٤)، وعند ياقوت في معجم الأدباء(٥)، وعند السبكي في طبقات الشافعية(٦)، وعند ابن فرحون وابن مخلوف في طبقات المالكية(٧)، وعند جميع من صنفوا في الأعلام كابن الأبار وابن خلكان وابن عبد الملك والمقري وابن العماد وسواهم(٨).
(١) - ذكرها الجعبري لنفسه في ترجمة الشاطبي في كنز المعاني (مخطوط).
(٢) - أنباه الرواة ٤/١٦٠ـ١٦٢ ترجمة ٩٤٢ـ وبغية الوعاة ٢/٢٦٠ ترجمة ١٩٢٩.
(٣) - معرفة القراء الكبار: ٢/٤٥٧ طبقة ١٤ـ وغاية النهاية ٢/٢٠ ترجمة ٢٦٠٠.
(٤) - طبقات الداودي ٢/٣٩ـ٤٢ ترجمة ٤١٣.
(٥) - معجم الادباء ١٦/٢٩٣.
(٦) - طبقات الشافعية ٤/٢٩٧.
(٧) - الديباج المذهب لابن فرحون ٢٢٤ وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية لابن مخلوف ١٥٩ طبقة ١٢ ترجمة ٤٩١.
(٨) - الذيل والتكملة ٥ القسم الثاني ٥٤٨ـ٥٥٧ ترجمة ١٠٨٨ـ ونفح الطيب ٢/٢٣٠ـ٢٣٢ ووفيات الأعيان ٤/٧١ـ٧٢ ترجمة ٥٥٧ ـ وشذرات الذهب ٤/٣٠١.


الصفحة التالية
Icon