أما بعد تحول عاصمة الخلافة إلى العراق، فقد دخل في الاعتبار عامل جديد سيؤدي إلى تحول اتجاه الرحلة إلى هذه الآفاق، ويؤدي بالتالي إلى استجلاب مذاهبها في الفقه والقراءة وغير ذلك، بل يؤدي أيضا إلى تحول الناس بصفة عامة إلى اعتناق المذهب الفكري للدولة وتبني اتجاهها في كل شيء وذلك ما أدى إلى دخول هذه المذاهب إلى المناطق المغربية إما عن طريق الدولة والقضاء الرسمي، وإما عن طريق الرحلات العلمية إلى حواضر العراق البصرة والكوفة وواسط ثم بغداد وسامراء وغيرها من المراكز، الأمر الذي أدى بالتبع إلى دخول القراءات السائدة في هذه الأمصار ومحاولة هيمنتها على جمهرة القراء، لاسيما قراءة حمزة بن حبيب إمام أهل الكوفة وأحد القراء السبعة. ونحاول فيما يلي التعرف على المعابر التي عبرت منها هذه المؤثرات إلى افريقية وما إليها فيما يخص جانب القراءة في هذا الطور الذي كانت ما تزال تبحث فيه لنفسها عن قاعدة مشتركة تؤسس عليها مطامحها في اتجاه الوحدة المنشودة.
أثر المدارس العراقية في افريقية والقيروان، ودخول قراءة حمزة وأبي عمرو بن العلاء وغيرهما
أدى انتقال قاعدة الخلافة من الشام إلى العراق بعد العقد الثالث من المائة الثانية إلى انتقال الاهتمام من الأفق الأول إلى الثاني، فأمسى اتجاه الرحلات العلمية تبعا لذلك خاضعا لهذا التحول الجديد، إذ غدا الولاة على المنطقة الافريقية والعاملون في ركابهم يختارون وينتدبون من دار الخلافة مباشرة، وأصبح على العاملين في الجهاز الرسمي بمن فيهم من أهل العلم يولون وجوههم نحو العراق، إما للقاء المسؤولين وإما للحصول على بعض الامتيازات من لدن الخلفاء ابتغاء الحظوة لديهم، وتعبيرا عن الولاء للدولة الجديدة.
ستحيي معانيه مغاني قبولها | لإقبالها بين الطلاقة والبشر |
وتطلع آيات الكتاب أياتها | فتبسم عن ثغر وما غاب من ثغر |
وتنظم أزواجا تثير معادنا | تخيرها خير القرون على التبر |
ولما رأى الحفاظ أسلافهم عنوا | بها دونوها عن أولي الفضل والبر |
فعن نافع عن شيبة ويزيد أو | ل المدني، إذ كل كوف به يقري |
وحمزة مع سفيان قد أسنداه عن | علي عن أشياخ ثقات ذوي خبر |
بأن رسول الله عد عليهما | له الآي توسيعا على الخلق في اليسر |
وعد عطاء بن اليسار كعاصم | هو الجحدري في كل ما عد للبصري |
ويحيى الذماري للشآمي وغيره | وذو العدد المكي أبي بلا نكر |
وأكده أشباه آي كثيرة | وليس لها في عزمة العد من ذكر |
وسوف يوافي بين الأعداد عدها | فيوفي على نظم اليواقيت والشذر |
وقد ألفت في الآي كتب، وانني | لما ألف الفضل بن شاذان مستقر(٤) |
روى عن أبي والذماري وعاصم | مع ابن يسار ما اجتبوه(٥) على يسر |
وما لابن عيسى(٦) ساقه في كتابه | وعنه روى الكوفي، وفي الكل أستبري |
(٢) - يعني عن كل من شيبة بن نصاح ويزيد بن القعقاع شيخي نافع.
(٣) - تقدم في الرواة عن أبي جعفر ونافع.
(٤) - هو الفضل بن شاذان بن عيسى أبو العباس الرازي صاحب كتاب "عدد آي القرآن" وقد أسند كتابه المذكور الإمام المنتوري وسمع بعضه تفقها على شيخه القيجاطي كما ذكر في فهرسته، توفي في حدود ٢٩٠. ترجم له ابن الجزري في غاية النهاية ٢/١٠ ترجمة ٢٥٦٢.
(٥) - في الأصل "احتبوه" بالحاء. وابن عيسى هو الاصبهاني محمد بن عيسى ـ تقددم ـ مترجم في الغاية ٢/٢٢٣.
(٦) - نفسه.