ومن المحتمل أنه قرأ على جماعة ممن سمينا، لاسيما سيبويه الذي كان أحد رواة قراءة أبي عمرو بن العلاء البصري ـ أحد السبعة ـ(١)أو الكسائي علي بن حمزة ـ أحد السبعة أيضا ـ، كما لا نستبعد أيضا أن يكون قد سمع القراءة بالمدينة من نافع أو غيره من المتصدرين بها، إذ تدل روايته عن ابن أبي ذئب المتوفى سنة ١٥٩ هـ على أن رحلته إلى المدينة كانت في زمن تصدر نافع بالحرم النبوي لتأخر وفاة نافع إلى سنة ١٦٩ هـ.
٥- أسد بن الفرات
(١) - سيبويه هو عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي البصري (ت ١٨٠ هـ) له رواية عن أبي عمرو بن العلاء رواها له أبو القاسم الهذلي في كتاب الكامل في القراءات، وذكر ابن الجزري في ترجمة عمرو بن سعيد أنه روى قراءة أبي عمرو من رواية يونس بن حبيب وسيبويه من طريق نحوية غريبة.. "غاية النهاية" ١/٦٠١ ترجمة ٢٤٥٢.
ولقد أشار العلامة ابن خلدون إلى عمله هذا في سياق حديثه عن تطور التأليف في علوم القراءة باعتباره معلمة بارزة في تاريخها، فقال بعد ذكر كتاب "المقنع" المذكور: "أخذ به الناس وعولوا عليه، ونظمه أبو القاسم الشاطبي في قصيدته المشهورة على روي الراء، وولع الناس بحفظها"(١).
ثم جاء أبو عبد الله الخراز ـ كما سيأتي ـ فجمع بينها وبين أصلها وغيره في أرجوزة "مورد الظمآن" فكان الشاطبي بعمله هذا قد مهد الطريق ونهجها له ولمن سلك هذه السبيل من العلماء والمؤلفين.
وهذا عرض موجز لمحتويات القصيدة: قال رحمه الله:
الحمد لله موصولا كما امرا | مباركا طيبا يستنزل الدررا |
ذو الفضل والمن والإحسان خالقنا | رب العباد هو الله الذي قهرا |
وبعد فالمستعان الله في سبب | يهدي إلى سنن المرسوم مختصرا |
علق علائقه أولى العلائق إذ | خير القرون أقاموا أصله وزرا |
وكل ما فيه مشهور بسنته | ولم يصب من أضاف الوهم والغيرا |
على لسان قريش فاكتبوه كما | على الرسول به انزاله انتشرا |
فجردوه كما يهوى كتابته | ما فيه شكل ولا نقط فيحتجرا |
وسار في نسخ منها مع المدني | كوف وشام وبصر تملأ البصرا |
(١) - مقدمة ابن خلدون ٤٣٨.