وأنت يمكنك أن تعرف موضع المغربي في الصف في الصلاة وهو يؤمن خلف الإمام بلفظ "آمين" يمد الهمزة فيها مدا وسطا أو مشبعا، وهو أثر من آثار رواية ورش، وتسمعه في الأذان والإقامة يفخم لام "حي على الصلاة" وفي دعاء الختم تسمع "الاخرة" بالمد وإسقاط الهمزة، وتسمع "النبيء الأمي" مهموزا في الأولى مخففا في الثانية، وقل مثل ذلك في لهجاتهم حينما يتحدثون عن "الأرض" و"الاخرة" وحينما يخبر المغربي أنه "يأخذ" و"يأكل" و"يؤذن المؤذن" بإبدال الهمز في كل ذلك، وحينما يذكر ما تقدمت فيه الكسرة على الراء فيرققها نحو "الكراء" "والشراء" أو تقدمت الياء الساكنة فتسمعهم يرققون الراء من "الجيران" و"الغيرة" و"السيرة" و"المسيرة" ونحو ذلك مما يعتبر مظهرا من مظاهر تأثير القراءة التي يقرأون بها وتنطبع بها ألسنتهم وطباعهم. يستوي في ذلك العالم بالتجويد والجاهل به.
ولقد شجعني على المضي في بحث هذا الموضوع ما استشعرته من خلو الساحة من موضوع مثله يسد فراغا كنت أشعر بوجوده، ألا وهو التعريف بالمدرسة المغربية في القراءة تعريفا وافيا ينتظم حركة التاريخ وتطورها معه في أعصارها المتعاقبة من زمن الفتح إلى وقتنا أو قريب منه.
ذلك أني رأيت الدعوة إلى العودة إلى الأصالة قد اتجهت إلى الجانب المذهبي في الميدان الفقهي مركزة عليه حتى كادت تجعله الواجهة الوحيدة التي تبلورت من خلالها الأصالة المغربية وعبرت عن نفسها منه الشخصية الاعتبارية والحضارية لهذا الجناح من البلاد الإسلامية.
وكنت أرى أن هذا على ما فيه من سداد في جانب منه هو في الوقت ذاته إجحاف بجوانب أخرى لا ينبغي غض الطرف عنها، وفي طليعتها "القراءة الرسمية" التي وجدتها تشكل مع المذهب الفقهي نوعا من التكامل والتلاحم لا يمكن فصمه وتجاهله أو الغض من قيمته وأثره في بناء الشخصية المتميزة ورسم معالمها الحضارية والعلمية.
وقال ابن الجزري: الحسن بن علي أبو علي الجلولي القيرواني، قرأ عليه ابن بليمة عن قراءته على محمد ن سفيان"(١).
٣- عبد العزيز بن محمد البكري المقرئ المعروف بابن أخي عبد الحميد
إمام جليل جمع بين الفقه والقراءة وبرزفيهما جميعا، وكان قد قرأ على أبي عبد الله بن سفيان ـ كما تقدم ـ معدودا في كبار أصحابه، أثنى عليه الدباغ وذكر أنه فاق جميع أقرانه في فن القراءات وقرأ الناس عليه، وذكر فيمن قرأ عليه أبا الحسن الحصري(٢). كما سماه ابن الجزري في مشيخته وإن كان لم يفرد له ترجمة(٣).
٤- وأما قوله:
وكم لي من شيخ جليل وانما ذكرت دراريا تضيء لمن يسري.
فإشارة إلى لجوئه إلى الاقتصار على الثلاثة المشهورين من جملة رجال مشيخته، وقد ساق في إجازته لأبي عيسى بن عبد الرحمن بن عقاب أسماء غيرهم ممن لم يسمهم في الرائية فقال:

أجزت لعيسى السبع في ختمة قرا علي بها فليرو ذلك وليقر
بما شاء منها أو بها فهو أهله بإتقانه مع ضبطه أحرف الذكر
وقوة حفظ ثم صحة نقله فما مثله من طالب لا ولا مقري
وأذكر صحبي كلهم في إجازتي له بالذي أروي فمنهم أبو بشر
سليل المعلى جاء من قيروانه وعبد الإله بن الحميد أخو البر
ومنهم أبو العباس يحيى بن خالد وصاحبه الحبر التقي أبو عمرو
سليل ابن يحيى، ثم أذكر بعده أبا القاسم البرقي، ثم أبا بكر
محمد ابن الخازن بن محمد وزير عماد الدولة السامي القدر
ومنهم أبو الخطاب نجل ابن يوسف سليل ابن يمن جل ذلك من وزر
وصاحبنا السبتي علي بن يخلف وسائر صحبي ناثر العلم كالدر(٤)
(١) - غاية النهاية ١/٢٢٦ ترجمة ١٠٢٧.
(٢) - معالم الايمان ٣/١٨٦ـ٣/٢٠٢.
(٣) -غاية النهاية ١/٥٥٠ـ٥٥١ ترجمة ٢٢٥٠.
(٤) - الذيل والتكملة السفر ٥ القسم ٢/٤٩٨ـ٤٩٩ وسيأتي تمام هذه الإجازة في ترجمة عيسى بن عقاب.


الصفحة التالية
Icon