ومن أعلام أصحاب الرحلة العلمية في المائة الثانية من الأفارقة عبد الله بن غانم بن شراحيل الرعيني القيرواني قاضي افريقية وصاحب مالك بن أنس، روى عن مالك وعليه اعتماده، ودخل العراق فروى بها عن سفيان وجماعة يطول ذكرهم، ولقي أبا يوسف صاحب أبي حنيفة، وكانت رحلته وسماعه من سفيان هو وصاحباه عبد الله بن فروخ الفارسي والبهلول بن راشد في وقت واحد، وكان ابن غانم يتولى القراءة حين السماع عليه. ولما عاد من رحلته ولي القضاء سنة ١٧١ هـ وهو ابن اثنتين وأربعين سنة، وبقي في القضاء إلى أن مات في ربيع الآخر سنة ١٩٠ هـ وقيل ١٩٦.(١)
٧- عبد الله بن فروخ الفارسي
ومنهم أبو محمد عبد الله بن فروخ الفارسي الفقيه المحدث من أعلام علماء افريقية. رحل إلى المشرق فدخل الحجاز والعراق، وسمع من مالك وسفيان الثوري وابن جريح والأعمش واجتمع بأبي حنيفة وذاكره. وناظر زفر بن الحارث صاحب أبي حنيفة في مجلس شيخه حتى قطعه، وذكر عياض أنه "كان اعتماده في الفقه والحديث على مالك وبصحبته اشتهر". وذكر المالكي أنه رجع من رحلته إلى إفريقية فأوطنها، وأقام بها يعلم الناس العلم ويحدثهم بسنة رسول الله ﷺ حتى انتفع به كثير، ثم رحل إلى المشرق فوصل إلى مصر، ثم تمادى إلى مكة فحج ورجع إلى مصر فتوفي بها ودفن بسفح المقطم سنة ١٧٦ هـ، وكانت لوفاته بمصر فجعة عظيمة في قلوب أهل العلم، وقالوا: طمعنا أن يكون خلفا لنا من الليث(٢)" "(٣).
٨- عنبسة بن خارجة الغافقي
(٢) - توفي الليث سنة ١٧٥ هـ، وسيأتي في الرواة عن نافع.
(٣) - ترتيب المدارك ٣/١٠٤ – ورياض النفوس ١/١٧٨.
تلك صورة موجزة عن العقلية أو "الشاطبية الصغرى" إحدى الفرائد الثلاث التي حلى بها الإمام الشاطبي أجياد المصنفات في هذا العلم، وأبدعها مثالا جهدت الأجيال المتعاقبة بعده على احتذائه ومحاولة فهم مقاصده وبيانها، وقد جاء بها في زمنه فسد بها فراغا هائلا، وعلى الأخص في المدارس المشرقية التي كانت حتى هذا العهد تتخبط في خلافيات الرسم ولا تكاد تجد من كثير من مشكلاته مخرجا مقنعا ولا بيانا شافيا، ولقد أسدى الإمام الشاطبي من خلالها إلى المدرسة الأثرية خاصة والمدرسة المغربية عامة أيادي بيضاء جديرة بكل تقدير، كما أسدى مثل ذلك إلى مسائل هذا العلم خاصة لما امتازت به قصيدته من الاختصار وحسن العرض وجمال الصياغة مع تلخيص أهم قواعد الرسم وجزئياته والتنبيه على أمهات المسائل فيه، بالإضافة إلى ما لها من قيمة فنية وتعليمية بحكم نظمها الميسر للحفظ والاستظهار، ولهذا نجدها سرعان ما دخلت ضمن المتون المعتمدة أو "الكراريس" التي كان المتعلمون ملزمين بعرضها على مشايخهم عن ظهر فلب قبل أن يأخذوا معهم في مباحثها وبسط قواعدها.
صور مما قام حول العقيلة من نشاط علمي خلال العصور:
ولقد حظيت العقيلة بقريب من العناية التي حظيت بها قرينتها "الشاطبية الكبرى" كما سيمر بنا ـ بل كانتا عند أكثر الرواة منذ ظهورهما كالتوأمين أو العدلين لا تكاد تجد راويا يروي هذه دون أختها بل نجد الغالب الأعم في تراجم الرواة عبارة "سمع الشاطبيتين" وقرأ الشاطبيتين".