ومنهم أبو خارجة عنبسة الغافقي الإمام المحدث. رحل من القيروان فدخل العراق والحجاز ومصر وسمع من الليث بن سعد ومالك بن أنس وعبد الله بن وهب وسفيان الثوري وابن عيينة وجماعة من أهل المدينة، وعاد إلى بلده، وكان مقامه في حصن على البحر يقال له " ينقة" في ناحية سفاقس في الغربي منها، سمع منه أبو داود العطار(١)وروى عنه عون بن يوسف(٢)وجماعة، وكان سحنون يجله، توفي سنة ٢١٠ وقيل ٢٢٠ هـ(٣).
٩- معاوية الصمادحي
ومنهم أبو عون معاوية بن الفضل الصمادحي الإمام الثقة العالم بالفقه والحديث. سمع من أبيه وابن أنعم، ودخل العراق والحجاز فسمع من سفيان الثوري ووكيع بن الجراح(٤)والفضيل بن عياش وقيل روى عن مالك، وسمع ابن القاسم وغيره من أصحابه، وعنه أخذ فرات(٥)وعامة فقهاء افريقية وابن وضاح القرطبي وأحمد بن يزيد القرطبي(٦)، وكان كثير المرابطة في "المنستير" وكانت له كل يوم ختمة، مات سنة ٢٢٥ هـ(٧).
أثر علماء الكوفة وقرائهم في إفريقية والقيروان:
(٢) - هو عون بن يوسف الخزاعي أبو محمد من أهل القيروان له رحلة إلى المدينة بعد موت مالك. ترتيب المدارك ٤/٨٩.
(٣) - ترجمته في رياض النفوس ١/٢٤١-٢٤٧ ترجمة ٩٦ وشجرة النور ٢-٦٣ الطبقة ٥ ترجمة ٤٠.
(٤) - وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ت ١٩٦ هـ) الخلاصة للخزرجي ٤١٥ وطبقات المفسرين للداودي ٢/٣٥٧.
(٥) - هو فرات بن محمد العبدي من أصحاب سحنون. ترجمته في شجرة النور ٧٢ الطبقة ٦ ترجمة ٨٩.
(٦) - سيأتي في أصحاب ابن وضاح.
(٧) - ترجمته في معالم الإيمان ١/٣١٧-٣١٩- وترتيب المدارك ٤/٩٥ ورياض النفوس ١/٢٣١- ترجمة ٨٩.
وكانت العناية بها عند المشارقة أكثر نظرا لما ذكرناه من شدة الحاجة إليها، ولاهتمام بعض أصحاب الشاطبي بروايتها ونشرها وشرح مقاصده فيها، ثم بدأت الشروح عليها تزداد مع الزمن، كما نظم بعض العلماء على منوالها كما فعلوا مع غيرها، مما يمثل جانبا من الإشعاع العلمي الرفيع الذي كانت أعمال هذا الإمام محورا له، على الرغم من مزاحمة طائفة من الأعمال النظمية لها في هذا المجال وخصوصا في المدرسة المغربية منذ أول المائة الثامنة كما سوف نرى عند أمثال الخراز والقيسي والفخار وغيرهم من العلماء.
ولقد عني بمعارضته فيها أو النظم على منواله على الأقل شارح كتبه القيم على تراثه بين أئمة المشرق في المائة الثامنة أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري، وذلك بقصيدته المسماة "رسم البرهان في هجاء القرآن"، وهي قصيدة رائية على وزن قصيدة الشاطبي ورويها ذكرها له في "كشف الظنون" وقال: "معارضة للرائية للجعبري"(١).
ـ وعارضها أيضا العلامة محمد بن خليل بن عمر القشسيري الأربلي في قصيدة في الرسم سماها "واضحة الفهوم في في علم المرسوم"(٢)، عدد أبياتها ٣٣٢ بيتا، وأشار في أولها إلى ما زاد به على العقيلة بقوله:
"زادت رسوما على ما في "عقيلة أتراب" بها لم ينل فضلا لها الكبرا(٣)
ـ ولبرهان الدين الجعبري أيضا على منوالها قصيدة "روضة الطرائف في رسم المصاحف"(٤) وعدد أبياتها ٢١٧، وهي لامية من بحر البسيط أيضا، وقد أشار فيها إلى أنه نظم فيها مسائل "العقيلة" وزاد عليها فقال:
(٢) - توجد منها نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية (تيمور ٤٤٧ تفسير).
(٣) - ذكره غانم قدوري في كتابه "رسم المصحف" ١٧٩.
(٤) - ذكرها له الوادي آشي في برنامجه ٤٧ والبغدادي في إيضاح المكنون ١/٩٧٧.