من هذه التراجم وأمثالها مما لم أر داعيا للإطالة به نستطيع أن نتبين إلى أي حد كان الإقبال على الأخذ عن أئمة العراق لهذا العهد وعن أهل الكوفة على الخصوص كالأعمش وسفيان وأبي بكر بن عياش، وهم جميعا في عداد القراء، ومن ذلك يتضح ما كان للكوفة بوجه خاص من تأثير جلي على المسار العلمي بافريقية، ولا شك أن دواعي تأثر هؤلاء العلماء بنوع القراءة السائدة بها متوافرة في هذا الطور الذي هو طور الاختيار بين القراءات المأثورة قبل أن تستقر المنطقة الافريقية على قراءة جامعة، إلا أن القراءة التي كانت مرشحة يومئذ لأن تحظى باهتمامهم وإقبالهم هي التي عليها جمهرة القراء بالكوفة، وقد قدمنا في نص أبي عبيد القاسم ابن سلام أن رؤساء الكوفة في هذا الشأن كانوا ثلاثة هم يحيى بن وثاب ثم الأعمش وعاصم بن أبي النجود قال: ثم تلاهم حمزة رابعا، وهو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته من غير أن يطبق عليه جماعتهم" ثم قال: "وأما الكسائي فإنه كان يتخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا".
وهكذا نلاحظ أن المدار كان يومئذ على قراءة حمزة، وفي هذا يقول أبو بكر بن مجاهد أول من سبع السبعة وجعل حمزة معهم ـ: "وكان ممن تجرد للقراءة ونصب نفسه لها، وكان ينحو نحو أصحاب عبد الله(١)، لأن قراءة عبد الله انتهت بالكوفة إلى الأعمش، وكان حمزة قد قرأ على الأعمش بها"(٢).
ثم أسند ابن مجاهد عن محمد بن الهيثم(٣)المقرئ (ت ٢٤٩هـ) قوله: "أدركت الكوفة ومسجدها الغالب عليه قراءة حمزة، ولا أعلمني أدركت حلقة من حلق المسجد يقرأون بقراءة عاصم"(٤).

(١) - يعني عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٢) - كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد ٧١-٧٢.
(٣) - مقرئ ضابط في قراءة حمزة ولي قضاء عكبرة. ترجمته في غاية النهاية ٢/٢٧٤.
(٤) - كتاب السبعة ٧٦.

"لامية عذبت في عقدها نظمت "رائية"، وربت مسائلا مثلا(١)
وقد استدرك عليه فيها بعض الشراح ببعض الزيادات التي رأوها لازمة(٢)، ولذلك اختلف عدد أبياتها اختلافا يسيرا، ففي شرحها المطبوع الآتي لابن القاصح ٢٩٩ بيتا، وقد أتم علم الدين السخاوي العدد فكان عدد أبياتها في شرحه عليها ٣٠٠ بيت كما في نسختي دار الكتب المصرية (قراءات ٢٩)، و(قراءات ٣٠) ق(٣).
شراحها وشروحها:
وقد عني العلماء إلى جانب روايتها والنظم على منوالها بوضع الشروح عليها لتقريب مسائلها، فمن شروحها المعروفة التي وقفت عليها أو على ذكرها:
١- شرح العلامة علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت ٦٤٣)، وهو من رواتها عن ناظمها، وشرحه بعنوان "الوسيلة إلى كشف العقيلة" او "الوسيلة إلى شرح العقيلة" كما ذكره ابن الجزري وعامة من ترجموا له(٤)، وهو في مجلد متوسط، ونسخه الخطية متوافرة في خزائن، المشرق والمغرب(٥). وبلغني انه طبع اخيرا محققا ولم أقف عليه بعد.
وأول الشرح قوله: "الحمد لله الذي أبدأ المنن وأعادها، وأسبغ النعم وأفادها،... وبعد فإن الله جعل الكتابة من اجل صنائع البشر وأعلاها...
وآخره قوله: "وقال علي بن الجهم:
"لم يضحك الورد إلا حين أعجبه حسن الرياض وصوت الطائر الغرد"
وهذا كثير في الشعر، والله سبحانه وتعالى أعلم".
(١) - رسم المصحف لغانم قدوري ١٧٩.
(٢) - من تلك الزيادات بيت زاده اللبيب في شرحه عليها وهو قوله:
"يخادعون الاله وهو خادعهم فاحذفهما فهما في مقنع ذكرا".
(٣) - يراجع في ذلك الشرحان المذكوران، وقد نبه على ذلك غانم قدوري في "رسم المصحف" له ص ١٧٨.
(٤) - غاية النهاية ١/٥٧٠ ترجمة ٢٣١٨ ـ والجعبري في آخر الكنز.
(٥) - منه مخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم ٨٠٠٨ ونسخة بمكتبة الأزهر (٨٤) ٤٨٩٥ ونسخ أخرى. منها بدار الكتب برقم ٦٦ (قراءات) وبمعهد المخطوطات برقم ٥٠٠ تفسير، وبدار التربية الإسلامية ببغداد رقم ٧.


الصفحة التالية
Icon