ومن الشخصيات التي لها صلة بالبصرة من الوافدين على المنطقة عبد الله بن يزيد أبو عبد الله القرشي المقرئ المعروف بالقصير البصري ثم المكي، وهو "إمام كبير في الحديث ومشهور في القراءات، لقن القرآن سبعين سنة، ثقة روى الحروف عن نافع وعن البصريين، وله اختيار في القراءة، روى عنه ابنه محمد شيخ أبي بكر الأصبهاني(١)، قال النقاش: كان بعد أبي عمرو في البصرة يقرئ أبو عبد الله القصير، مات في رجب سنة ٢١٣ هـ"(٢).
والذي يهمنا منه إلى جانب ما ذكر له من مكانة في القراءات ما ذكر أبو العرب من دخوله افريقية سنة ١٥٦ هـ وكيلا لرجل من التجار(٣)، وظهر أنه كان كثير التنقل للتجارة، فقد روى المالكي عنه قوله: "رأيت أربعة ما رأيت في الدنيا مثلهم: رأيت ابن عون(٤)في البصرة فما رأيت مثله، ورأيت سفيان الثوري في الكوفة فما رأيت مثله، ورأيت رباح بن يزيد(٥)بافريقية فما رأيت مثله، ورأيت الأوزاعي بالشام فما رأيت مثله"(٦). وينبغي أن ننبه هنا على إمكان إسهام أبي عبد الله القصير في تعريف الأفارقة أيضا بقراءة نافع، لأنه أحد الرواة عنه كما قدمنا، فيكون له تبعا لذلك أثره في اتساع رواية القراءات بالمنطقة. وبذلك تكون قد تعرفت على أكثر القراءات المأثورة، وبالأخص على قراءات السبعة أئمة الأمصار الخمسة الكبرى.

(١) - هو محمد بن عبد الرحيم يروي رواية ورش عن أصحابه وأصحاب أصحابه وسيأتي في مدرسة ورش بمصر.
(٢) - غاية النهاية ١/٤٦٣-٤٦٤ ترجمة ١٩٣١.
(٣) - طبقات علماء افريقية ١٦٣.
(٤) - هو عبد الله بن عون المزني أبو عون الخراز البصري يروي عن عطاء ومجاهد والحسن (ت ١٦١) – الخلاصة ٢٠٩.
(٥) - ترجمته بتوسع في رياض النفوس ١/٣٠٠-٣١٢.
(٦) - ريا ض النفوس ١/٣٠١.

وأوله قوله: " الحمد لله الذي ألهمنا وضع الكلام دليلا على معاني الخطاب، وأرشدنا إلى جعل الكتابة وسيلة إلى حفظه في بطون أوراق الكتاب، تذكرة يرجع إليها، وذخيرة يعول عليها، فصارت صناعة الخطب فضيلة يشرف لها العالمون... وبعد فلما يسر الله تعالى إكمال "كنز المعاني في شرح حرز الاماني" مختصر "التيسير" وكنت أجملت فيه مسائل من الرسم إحالة لتفصيلها إلى تكميل تحصيلها، شفعت وترة التوحيد(١) وآنست ربعه الفريد، بكتاب "جميلة أرباب المراصد"...
وكان فراغ المؤلف من تأليفه كما ذكر في ربيع الأول سنة ٧٠٠.
وقد دخل هذا الشرح المغرب والاندلس وعني العلماء بروايته، فدخل به الإمام أبو عبد الله بن جابر الوادي آشي مع "كنز المعاني" قال: "وكلاهما من تأليف شيخنا رضي الدين الجعبري، أجاز لي الأول منها معينا، وناولني الثاني في أصله"(٢).
وأسنده الإمام المنتوري في فهرسته قراءة على الراوية أبي زكرياء يحيى بن أحمد بن السراج وأجازني جميعه، وحدثه به عن الشيخ الحاج الحافظ أبي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الحفيد السجلماسي(٣) عن الشيخ المسند الرحلة عفيف الدين أبي محمد عبد الله بن محمد المصري عنه"(٤).
٨- شرح ثان لأبي إسحاق الجعبري سماه لنفسه في أول "كنز المعاني" باسم "النزهة في شرح العقيلة"
وهو قصيدة رائية في وزن العقيلة ورويها شرحها بها، وقد نقل عنها في الكنز قوله:
"وفي الخبر المأثور أنزل ذكرنا على سبع أحرف فكل شفا يرى
فقيل معان والصحيح بأنها لغات فما فيها التواتر مفترى
ويحتمل المرسوم مع عربية فمنها وفي الفرض اقرأنه حبر(٥)
(١) - كذا ولعلها "وتره الوحيد".
(٢) - برنامج الوادي آشي ١٨٦.
(٣) - لقيه السراج كما في فهرسته ١/٣١٦ـ٣١٧ بعد قفوله من الحج عام ٧٦٤ وناوله شرح عقيلة الأتراب للجعبري.
(٤) - فهرسة المتنوري لوحة ٢٩.
(٥) - كنز المعاني (فصل في معرفة منشأ الخلاف...).


الصفحة التالية
Icon