أولا – دخول قراءة نافع إلى الأندلس والقراءة فيها منذ الفتح الإسلامي لها في أواخر القرن الثاني
بعد أن وقفنا على التطورات التي مرت منها المدرسة القرآنية في المغرب في افريقية والقيروان وما إليها من الجهات ابتداء من زمن الفتح، واستعرضنا مختلف المؤثرات التي وردت عليها في أثناء ذلك وبعده من الجهات الشامية والعراقية ومن خلال الرحلات العلمية إلى هذه الآفاق أو على يد بعض الواردين منها من العلماء والقراء، نريد أن نقف في هذا الفصل على المسالك التي عبرتها قراءة نافع إمام دار الهجرة في القراءة إلى البلاد الأندلسية ثم افريقية والمغرب الأقصى، وقد تعمدنا تأخير الحديث عن رحلات أهل افريقية إلى الحجاز مع أنها واكبت في الزمن تاريخ الحركة العلمية التي تتبعنا نشاطها في اتجاه العراق ابتداء من النصف الثاني من المائة الثانية، وهدفنا من هذا التأخير أولا أن نستكمل الصورة عن باقي الجهات المغربية التي تأخر فتحها كالجهات الأندلسية، ولنربط ثانيا بين تلك الرحلات العلمية الحجازية وبين ما ترتب عنها من آثار في التعريف بالمذاهب المدنية في الفقه والقراءة ورواية الآثار، تمهيدا للدعوة إلى إقرارها واعتمادها عمليا وحمل الناس عليها بالتوجيه والإقناع مرة وبغير ذلك أخرى، إلى أن كانت لها الهيمنة التامة والسيادة المطلقة.
ولقد نبهنا قبل على النص القيم الذي تتبع فيه العلامة ابن خلدون تاريخ تطور القراءات في المغرب، وكيف جعل ظهور الإمام الحافظ أبي عمرو الداني معلمة بارزة ومنعرجا عظيم الأهمية في هذا التطور حيث ذكر أنه "بلغ الغاية فيها، ووقفت عليه معرفتها، وانتهت إلى روايته أسانيدها، وتعددت تآليفه فيها، وعول الناس عليها، وعدلوا عن غيرها، واعتمدوا من بينها "كتاب التيسير" له" قال:
"ثم ظهر بعد ذلك فيما يليه من العصور والاجيال أبو القاسم بن فيره من أهل شاطبة، فعمد إلى تهذيب ما دونه أبو عمرو وتلخيصه، فنظم ذلك كله في قصيدة لغز فيها أسماء القراء بحرف (أ ب ج د) ترتيبا أحكمه ليتيسر عليه ما قصده من الاختصار، وليكون أسهل للحفظ، لأنه نظمها فاستوعب فيها الفن استيعابا حسنا، وعني الناس بحفظها وتلقينها للولدان المتعلمين، وجرى العمل على ذلك في امصار المغرب والأندلس"(١).
فهكذا جعل ابن خلدون ظهور الإمام الشاطبي في تاريخ هذا العلم مكافئا لظهور الحافظ أبي عمرو فيه مشيرا إلى أهم ما امتاز به وامتازت به المدرسة المغربية من خلاله، وهو اصطناع الرمز لضبط اختلاف القراء.
وقد كان فيه الشاطبي رائدا غير مزاحم، إذ نراه في قصيدته قد عمد إلى الحروف المعروفة بـ"أبي جاد" فطابق بينها وبين أسماء القراء السبعة المشهورين والرواة عنهم، جاعلا كل رمز ثلاثي الحروف للقارئ وراويي قراءته على التوالي، فبدأ بنافع وجعل الرمز "أبج" دالا بألفه عليه، والباء على قالون، والجيم على ورش، وجعل "دهز" دالا على عبد الله بن كثير المكي وراوييه قنبل والبزي، و"حطي" دالا على أبي عمرو وراوييه الدوري والسوسي، و"كلم" دالا على ابن عامر الشامي وراويي قراءته و"نصع" لعاصم وصاحبيه، و"فضق" لحمزة وراوييه، ثم "رست" للكسائي وصاحبيه، وجعل الواو فاصلا بين مسائل الخلاف فلم يرمز به لأحد.