وفي ولاية أبي الخطار حسام بن ضرار الكلبي الذي وليها من قبل حنظلة بن صفوان عامل افريقية سنة ١٢٥ هـ ازداد عدد أهل الشام حتى ضاقت بهم قرطبة، فاضطر إلى توزيعهم على المناطق "فأنزل أهل دمشق" "ألبيرة" لشبهها بها، وأنزل أهل حمص اشبيلية وسماها "حمص" لشبهها بها، وأنزل أهل "قنسرين" جيان وسماها قنسرين، وأهل الأردن بـ"رية" وهي "مالقة" وسماها "الأردن"، وأهل فلسطين "شذونة" وهي "شريش" وسماها "فلسطين"، وأهل مصر "تدمير" وسماها "مصر"(١).
ودخلها قبل ذلك بلج بن بشر القشيري(٢)سنة ١٢٣ بعهد من هشام بن عبد الملك ومعه نحو من عشرة آلاف من الشاميين، وإلى هذه الوفرة في عددهم يشير لسان الدين ابن الخطيب في رسالة له إلى ملك مصر المنصور بن الناصر بن قلاوون بقوله: "وصرفت أشراف الشام أعنتها إلى التماس خيره، وطارت بأجنحة العزائم تيمنا بطيره، وقصدته الطلائع صحبة بلج بن بشر وغيره"(٣).

(١) - تاريخ افتتاح الأندلس لابن القوطية ٤٥ - والبيان المغرب ٢/٣٣- وتاريخ ابن خلدون /١١٩-١٢٠.
(٢) - هو ابن أخي كلثوم بن عياض والي افريقية مات مقتولا بالأندلس على أيدي الجند من أهل اليمن، يمكن الرجوع في ذلك إلى تاريخ افتتاح الأندلس لابن القوطية ٤٠-٤١ والبيان المغرب ٢/٣٠-٣٣.
(٣) - الأدب الأندلسي للدكتور مصطفى الشكعة ص ٥٧٧.

إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ جهارا من الشيطان بالله مسجلا
على ما أتى في النحل يسرا وإن تزد لربك تنزيها فلست مجها
وهكذا تنقل في أبواب الأصول بابا فبابا على نسق ما ذكره أبو عمرو في كتاب التيسير حتى بلغ فرش الحروف، ونكتفي مثالا على طريقته في ذلك بما ذكره في "باب مذاهبهم في الراءات" لأنه يعتبر معترك الانظار بين هذه المدرسة والمدرستين القيروانية والتوفيقية وذلك في تحديدهما لأصول ورش فيها، وفي ذلك نجده يقول:
ورقق ورش كل راء وقبلها مسكنة ياء أو الكسر موصلا
ولم ير فصلا ساكنا بعد كسرة سوى حرف الاستعلا سوى الخا فكملا
وفخمها في الاعجمي وفي إرم وتكريرها حتى يرى متعدلا
وتفخيمه ذكرا وسترا وبابه لدى جلة الأصحاب أعمر أرحلا
وفي شرر عنه يرقق كلهم وحيران بالتفخيم بعض تقبلا
وفي الراء عن ورش سوى ما ذكرته مذاهب شذت في الأداء توقلا
ولا بد من ترقيقها بعد كسرة إذا سكنت يا صاح للسبعة الملا
وما حرف الاستعلاء بعد فراؤه لكلهم التفخيم فيها تذللا
ويجمعها "قظ خص ضغط" وخلفهم بفرق جرى بين المشايخ سلسلا
وما بعد كسر عارض أو مفصل ففخم فهذا حكمه متبذلا
وما بعده كسر أو اليا فما لهم بترقيقه نص وثيق فيمثلا
وما لقياس في القراءة مدخل فدونك ما فيه الرضا متكفلا
وترقيقها مكسورة عند وصلهم وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا
ولكنها في وفقهم مع غيرها ترقق بعد الكسر أو ما تميلا
أو الياء تاتي بالسكون، ورومهم كما وصلهم فابل الذكاء مصقلا
وفيما عدا هذا الذي قد وصفته على الأصل بالتفخيم كن متعملا(١)
وهذا مثال نسوقه من فرش الحروف من أول سورة مريم:
وحرفا يرث بالجزم (حـ)لو (ر)ضا وقل خلقت خلقنا (شـ)اع وجها مجملا
وضم بكيا كسره عنهما وقل عتيا صليا مع جثيا (شـ)ذى (عـ)ـلا
وهمز أهب باليا (جـ)ـرى (حـ)لو (بـ)ـحره بخلف، ونسيا فتحه (فـ)ـائز (عـ)ـلا
(١) - يمكن الرجوع إلى هذا الباب في نصها المنشور في إتحاف البررة بالمتون العشرة ص ٢٩ـ٣١.


الصفحة التالية
Icon