فسمى القراءة على وفق المصحف الشامي "شامية عثمانية"، وهي إشارة ضمنية إلى نوع من التفوق عند الأئمة الثلاثة في إتقانها وضبطها والقيام عليها، ولذلك كانت هذه القراءة مشهورة في مصرها لا يكاد يزاحمها فيه شيء، إلا أن الرواة عن ابن عامر كانوا من الكثرة بحيث أدى الاختلاف بينهم إلى تشعب قراءته وتنوع رواياتها وقيام طائفة من أصحابه بنوع من الاختيار بين تلك الروايات الثابتة عنه سعيا إلى توحيد القراءة عليها، وكان للأئمة الثلاثة الذين سماهم أبو زرعة أكبر الفضل في ذلك، وان كان لكل واحد منهم أيضا كان يخالف صاحبيه فيما كان ينتهي إليه من اختيار، وربما خالف الواحد منهم نفسه فيما كان يأخذ به ثم عدل عنه إلى غيره من الحروف، وإلى هذا الطور يشير راوية القراءات أبو العباس أحمد بن يزيد الحلواني فيما حدث به عن شيخه هشام بن عمار وأسلوبه في الاختيار، فقال: "قدمت دمشق سنة ٢٤٢، بعد وفاة ابن ذكوان، فقرأت على هشام بن عمار وختمت عليه لابن عامر، ورجعت إلى بلدي فبلغني عن هشام حروف لم يأخذ بها علي، فرحلت إليه ثانية وقرأت عليه بتلك الحروف وأجازها لي وختمت عليه ثانية ورجعت إلى حلوان(١)، ثم بلغني عنه حروف لم يأخذ بها علي فرحلت إليه ثالثة، وقرأت عليه بتلك الحروف وأجازها لي وختمت عليه ثالثة، ورجعت إلى حلوان فورد علي كتابه أني أخذت عليك "ثم كيدوني" في الأعراف(٢)بياء في الوصل، وهو بياء في الحالين"(٣).
(٢) - الآية رقم ١٩٥ ونصها "قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون" قال الداني في التيسير ص ٧٠-٧١: وأثبت ابن عامر في رواية هشام الياء في الحالين في قوله "ثم كيدون" في الأعراف، وحذف الياء في الحالين في رواية ابن ذكوان بخلاف عن الأخفش عنه".
(٣) - نقله علم الدين السخاوي في جمال القراء وكمال الإقراء ٢/٤٥٨.
إمام عارف قرأ برواية ورش على طارق بن موسى ـ من أصحاب ابن هذيل ـ ولنافع على أبي جعفر بن طارق، واخذ القراءات على أبي جعفر أحمد بن عون الله الحصار وابن نوح ـ وهما من كبار أصحاب ابن هذيل شيخ الشاطبي ـ وحج سنة ٥٧٨ فسمع ببجاية من عبد الحق(١)، وقرأ القراءات بمصر على الشاطبي، ولفي أيضا أبا محمد عبد المنعم بن أبي بكر بن النفيس المعروف بابن الخلوف الغرناطي، أخذ عنه بالاسكندرية، ورجع فتصدر للإقراء ببلنسية بلده، وخطب بها، وأخذ عنه الناس(٢).
قرأ عليه أبو عبد الله بن الأبار وأبو العباس بن الغماز، وهو آخر أصحابه، توفي سنة ٦٣٤(٣). وقد أسند العلامة التجيبي السبتي القصيدة من طريقه فقال: "وكتب إلينا أيضا بها وأثبت لنا إسناده فيها بخطه الشيخ الفقيه القاضي أبو الحجاج يوسف بن أحمد بن حكيم التجيبي ـ رحمه الله تعالى ـ قال: وحدثني بالقصيدة المعروفة بحرز الأماني الشيخ الفقيه المقرئ صاحب الصلاة والخطبة بجامع بلنسية أبو الحسن علي بن عبد الله بن خيرة ـ رحمه الله ـ عن ناظمها"(٤).
٨- علي بن شجاع بن سالم بن علي بن موسى العباسي كمال الدين المعروف بالكمال الضرير وبصهر الشاطبي
كان شيخ القراء بالديار المصرية في زمانه (٥٧٢ـ٦٦١).
(٢) - معرفة القراء الكبار ٢/٤٥٨ وغاية النهاية ١/٥٢٠ ترجمة ٢١٤٩ وصلة الصلة القسم الأخير ١٣٤ـ١٣٥ ترجمة ٢٧٣.
(٣) - المصدر أعلاه.
(٤) - برنامج التجيبي ٤١ـ٤٢.