ولا شك أن طائفة كبيرة منهم كانت في الوقت نفسه قد تعرفت على قراءة نافع بالمدينة وأخذت بها كلا أو بعضا لطول تصدره بالمسجد النبوي ذاته حيث كانت حلقة مالك في الفقه والحديث كما سيأتي، ومع قوة هذا الاحتمال فإن المؤرخين للقراءة قد أطبقوا على إسناد الريادة في دخول قراءة نافع إلى الأندلس إلى الغازي بن قيس القرطبي، ولا يخالجنا شك مع ذلك في أن من سمينا من الفقهاء ومن لم نسم ممن كانوا يمثلون مناطق مختلفة من البلاد الأندلسية، لم يرحلوا إلى المدينة في طلب العلم حتى حفظوا القرآن الكريم وتأهلوا لرواية الفقه والحديث، فهم بالدرجة الأولى قراء قبل أن يصبحوا في عداد الفقهاء، وفيهم من كان في مستوى من التبريز فيها كان يخول له القيام بتأديب أبناء الأمراء، كما قيل عن الغازي نفسه قبل رحلته، إلا أن اهتمام المؤرخين لهم والمترجمين كان يتجه إلى الجانب الفقهي باعتبار ما غلب عليهم وقامت عليه شهرتهم، أو باعتبار توجه المؤرخين لهم إلى هذا الجانب لأنه الذي يهمهم، ويهمهم منه خاصة تتلمذهم على مالك وروايتهم عنه، ولذلك فنحن نعتبر أكثرهم ممن أدركوا حياة نافع في زمن تصدره بالمدينة داخلين في زمرة قراء المنطقة الذين تعرفوا على قراءته أو تأثروا بها أو شاركوا في نقل حروفها، إذ ليس من المقبول في مجرى العادة ومنطق الأشياء ـ كما سبق القول ـ أن يقضي قارئ من أهل العلم السنوات العديدة بالمدينة متفرغا للطلب ثم يفوته التشرف بالرواية عن إمامها في القراءة أو السماع منه ولو في أثناء الصلوات، لاسيما إذا كان يخالفه في قراءته فيقرأ بغير الحروف أو الأوجه التي تلقاها في بلده، وذلك أمر لا مناص من تعرض القارئ له ولا بد من ملاحظته بأدنى انتباه، ومن هنا يمكن اعتبار عامة الرواة عن مالك في حياة نافع داخلين في عداد الآخذين عنه ولو بطريق السماع، وإن كان أصحاب الطبقات المؤلفون في القراء لا يذكرون إلا رواية الغازي بن قيس.
"روى عنه الشاطبية الفخر التوزري(١) ودرس وأفتى وانتهت إليه رياسة العلم بالديار المصرية، وانقطع بموته إسناد عال، توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة ٦٤٩ وقد جاوز التسعين"(٢).
١٣- أبو العباس العزفي أحمد بن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أبي عزفة السبتي الآنف الذكر في مشيخة الإقراء بسبتة (٥٥٧ـ٦٣٣)
ذكره ابن عبد الملك فيمن حدث عن أبي القاسم الشاطبي بالإجازة(٣).
١٤- عيسى بن مكي بن حسين بن يقظان أبو القاسم المعروف بالسديد المصري الشافعي إمام الجامع الحاكمي
ولد قبل السبعين وخمسمائة، وقرأ القراءات والشاطبية على الشاطبي، قال ابن الجزري:
"قرأ عليه يعقوب بن بدران الجرائدي وعلي بن ظهير الكتفي والموفق محمد بن أبي العلاء النصيبي، وروى عنه الشاطبية الفخر التوزري، وأخذ عنه الحروف جماعة، توفي سنة ٦٤٩"(٤).
وكان صهرا للشاطبي كما جاء في ترجمته عند ابن عبد الملك(٥)، وقال في ترجمة سعد بن خالص بن مهدي اللوشي أبي عمرو الجروي: "فممن سمع أبو عمرو عليه أو قرأ عيسى بن مكي بن حسين، عرض عليه عن ظهر قلب القصيدة الشاطبية في القراءات، وحدثه بها عن صهره ناظمها"(٦).
ولم اهتد إلى وجه هذه المصاهرة، لأنه عاش بعد الشاطبي نحوا من ستين سنة، فلعلها كانت من جهة بعض بناته، فيكون ثاني صهر له بعد الكمال الضرير.

(١) - هو عثمان بن محمد التوزري المالكي توفي بمكة سنة ٧١٣ ـ ترجمته في غاية النهاية ١/٥١٠ ترجمة ٢١٠٧.
(٢) - ترجمته في معرفة القراء الكبار ٢/٥١٨ـ٥٢٠ طبقة ١٥ ـ وغاية النهاية ١/٥٨٣ ترجمة ٢٣٦٦.
(٣) - الذيل والتكملة السفر ٥ القسم الثاني ٥٤٦ـ٥٥٧ ترجمة ١٠٨٨.
(٤) - معرفة القراء ٢/٥٢٠ ترجمة ١٥ وغاية النهاية ١/٦١٤ ترجمة ٢٥٠٥.
(٥) - الذيل والتكملة السفر ٥ القسم ٢/٥٤٨ـ٥٤٩ ترجمة ١٠٨٨.
(٦) - المصدر نفسه السفر ٤ القسم الأخير ١٠ـ١١ ترجمة ٢٧.


الصفحة التالية
Icon