ونحن لا نسعى هنا إلى مزاحمة الغازي في هذه الريادة بذكر أحد ممن أخذ عن نافع من الأندلسيين لهذا العهد من مثل يحيى بن يحيى الذي جاء التصريح بروايته عنه، ومثل أبي موسى الهواري صاحب أول كتاب يذكر لأهل الأندلس في تفسير القرآن وأقدم من وصف بالحفظ للتفسير والقراءات(١)، وإنما نريد أن نصل إلى إثبات تعرف طائفة من أفراد هذه الطليعة العلمية على قراءة نافع، إلا أن أحدا منهم لم يثبت أنه تفرغ لروايتها عنه وعرضها عليه وضبطها عنه بالصورة التي تأتى مثلها للغازي ـ كما سيأتي ـ الأمر الذي يعطيه حقا مقام الريادة منفردا به في هذا الباب فلا يزاحمه عليها أحد من أهل زمانه.
ولنا عودة بحول الله إلى تقويم هذه الريادة وعناصرها وكيف كان الغازي من خلالها يضع في البلاد، الأندلسية أصول "المدرسة المدنية" الاتباعية في القراءة والرسم والضبط والعدد وغير ذلك من فروع هذا العلم، ويرسم معالم أولى المدارس التأسيسية في القراءة في المنطقة حسب روايته عن نافع وما أخذه عن أهل المدينة مما أطلق عليه اسم "هجاء السنة" وبلور من خلاله مناهجهم واختياراتهم في رسم المصاحف وضبطها وفي القراءة بوجه عام.
ونريد هنا أن نلقي نظرة مماثلة على الجهات الافريقية لنتعرف على المسار الذي عبرت منه قراءة نافع إليها بعد أن تعرفنا قبل هذا على القراءات التي كانت سائدة بها بعد الفتح إلى ما بعد المائتين.
ثانيا دخول قراءة نافع إلى افريقية والمغرب

(١) - ترتيب المدارك ٣/٣٤٣

١٥- سراقة الشاطبي: أحد الرواة عنه حكى أبو الحسن القفطي في ترجمة الشاطبي عن ابنه فقال: "اخبرني المحبي بن سراقة الشاطبي قال: قال لي إبي: إنني قرأت القرآن على أبي القاسم بن فيره بشاطبة.. ثم ساق خبر رحلة الشاطبي.." (١). ١٦- عيسى بن يوسف بن إسماعيل أبو موسى المقدسي الشافعي مستوطن بلبيس
ذكره ابن عبد الملك في أصحابه في ترجمته(٢)، وذكره الذهبي وابن الجزري في شيوخ أبي عبد الله محمد بن الحسن الفاسي ـ صاحب اللآلئ الفريدة ـ وذكرا قراءته على اثنين من أصحاب الشاطبي فعداه فيهما وذكرا أنه عرض عليهما حرز الاماني(٣).
١٧- محمد بن سعدون بن تمام أبو عبد الله الازدي الانصاري القرطبي، قال ابن الجزري: ذكر أنه قرأ على أبي القاسم الشاطبي.." (٤).
١٨- محمد بن عبد الرحمن بن محمد الرعيني أبو عبد الله السرقسطي
ذكره ابن عبد الملك وقال: رحل إلى المشرق فلقب ثم بركن الدين، وأخذ هناك عن أبي محمد قاسم بن فيره الشاطبي وجماعة، ورجع إلى المغرب، وولي القضاء بمعدن "عوام"(٥) بمقربة من مدينة فاس فشكرت أحواله، توفي به قاضيا سنة ٥٩٨"(٦).
١٩- محمد عبد الرحمن أبو الطاهر الجابري
ذكره الحافظ أبو شامة في حوادث سنة ٦٣٣ فقال: "وفيها في ذي القعدة وصل إلينا خبر موت خطيب مصر الشيخ الفقيه الدين أبي الطاهر محمد بن عبد الرحمن الجابري ـ من ولد جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله هنه ـ واشتهرت نسبته بالمحلي، وكان من أصحاب الشيخين الشاطبي والقرشي، وكنت اجتمعت به في مصر غير مرة رحمة الله عليه، ولد سنة ٥٥٤"(٧).
(١) - انباه الرواة على أنباه النحاة ١٦٠٩٤ ترجمة ٩٤٢.
(٢) - الذيل والتكملة السفر ٥ القسم ٢/٤٨ـ٥٥٧ ترجمة ١٠٨٨.
(٣) - معرفة القراء ٢/٥٣٣ وغاية النهاية ٢/١٢٢.
(٤) - غاية النهاية ٢/١٤٢ ترجمة ٣٠١٦.
(٥) - يخرج إليه من فاس من باب الجديد كما في القرطاس ٤٢.
(٦) - الذيل والتكملة ٦/٣٦٤ ترجمة ٩٦٤.
(٧) - ذيل الروضتين لأبي شامة ١٦٣ـ١٦٤.


الصفحة التالية
Icon