وإنما يريد بفض حلق المخالفين استقطابه مع هؤلاء "المدنيين" لجمهور طلاب العلم بصورة صرفت الأنظار إليهم، وزهدت بشكل عام في المذاهب الوافدة من العراق، إيثارا لمذاهب أهل المدينة دار الوحي والهجرة. ولقد بلغت هذه الحلق في مسجد القيروان الجامع أوجها في عهد سحنون على أيدي أولئك الرواد حتى قال فيهم الشاعر أبو القاسم الغنزاري من قصيدة طويلة نقتطف منها هذه الأبيات:
فهل للقيروان وساكنيها عديل حين يفتخر الفخور
عراق الشرق بغداد وهذي عراق الغرب بينهما كثير
ولست أقيس بغدادا إليها وكيف تقاس بالسنة الشهور
...... -------------------------------
بها حلق العلوم لها دوي يجاوبها الكتاب المستنير(١).
قائمة بأسماء أهم علماء الأندلس الذين رحلوا للأخذ عن سحنون بالقيروان وغيره
ولإعطاء صورة عن مبلغ الإقبال على الأخذ عن سحنون وعظم حاشيته العلمية في مسجد القيروان نورد فيما يلي هذه القائمة التي جمعناها من تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي وغيره مرتبة على الهجاء دون توسع في الحديث عن أولئك الرواة وما يمكن أن يتحملوه من آثار عن "المدرسة القيروانية" وما ينقلون إليها عن "المدرسة الأندلسية".
ـ إبراهيم بن زرعة مولى قريش يكنى أبا زياد روى عنه سحنون بن سعيد – تاريخ علماء الاندلس ١/٣٣ ترجمة ٢.
ـ إبراهيم بن يزيد بن قلزم من أهل قرطبة سمع من يحيى بن يحيى وغيره، ورحل فسمع من سحنون ١/٣٤/٣٥.
ـ إبراهيم بن شعيب الباهلي من أهل البيرة، روى عن يحيى بن يحيى وغيره، ورحل إلى سحنون ـ ١/٣٥ ترجمة ٦.
إبراهيم بن خالد من أهل البيرة، وهو أحد السبعة الذين اجتمعوا فيها. من رواة سحنون في وقت واحد ـ ٣٦١.
إبراهيم بن خلاد اللخمي من أهل البيرة أحد السبعة المذكورين من رواة سحنون ـ ١/٣٦ ترجمة ٨.
ـ إبراهيم بن محمد بن باز يعرف بابن القزاز من أهل قرطبة ـ سيأتي في مدرسة ورش بالأندلس ـ ١/٣٧ ترجمة ١٠.
هو إذن يحس بقيمة قصيدته ويرى ان ألفاظها قد زادت على التيسير بنشر فوائد، وإن كان ذلك لا يعني أنه يرى لها أفضلية عليه.
ولعل هذه الألفاف وما تضمنته من معان وإضافات هي التي أملت على كثير من الشراح أن يجتهدوا في تتبع ما زاد به على التيسير، وان يستخرجوا من إشاراته وألفاف قصيدته ما أعطى لها من المكانة والاهمية أضعاف ما كان لأصلها.
ولقد عبر أبو الحسن السخاوي فيما حكاه عنه تلميذه أبو شامة ـ عن مقدار إدراك ناظمها لما تزخر به القصيدة من معان تحتاج إلى البسط والإيضاح، قال أبو شامة: "وكنت سمعت شيخنا أبا الحسن علي بن محمد ـ السخاوي ـ يجكي عن ناظمها شيخه الشاطبي ـ رحمهما الله ـ مرارا، أنه قال كلاما معناه: "لو كان في أصحابي خير أو بركة لاستنبطوا من هذه القصيدة معاني لم تخطر لي ـ قال ـ: ثم اني رأيت الشاطبي ـ رحمه الله ـ في المنام وقلت له: حكى لنا عنك الشيخ أبو الحسن السخاوي أنك قلت كيت وكيت، فقال: صدق"(١).
٢- رأي أبي القاسم التجيبي السبتي (ت ٧٣٠)
قال في برنامجه: "وقد استعمل الناس كثيرا هذه القصيدة على اعواز فيها، ونفع الله بها جملة من القراء، لحسن نية ناظمها، نقل عنه ـ رحمه الله ـ أنه كان يقول: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله ـ عز وجل ـ بها لأني نظمتها لله سبحانه"(٢).
٣- رأي العلامة ابن خلدون (ت ٨٠٨)
تقدم ذكر ابن خلدون لقصيدة الشاطبي واعتباره لظهور ناظمها معلمة من معالم تاريخ تطور علم القراءات، وقد ذكر من ذلك في معرض التنويه بالقصيدة قوله: "استوعب فيها الفن استيعابا حسنا، وعني الناس بحفظها وتلقينها للولدان المتعلمين، وجرى العمل على ذلك في أمصار المغرب والاندلس"(٣).
(٢) - برنامج التجيبي ٤٢
(٣) - مقدمة ابن خلدون ٤٣٨.