وقد حاولت من خلال ما قدمته في هذا البحث أن أجيب عن عدد من الإشكاليات المطروحة أهمها ما يلي:
١ـ ما موقع المغاربة من التاريخ العلمي للأمة الإسلامية تعلما وتعليما وتأثيرا ؟
٢- ما موقعهم بصفة خاصة في مجال القراءة وعلومها رواية ودراية ورحلة وتصنيفا وتدوينا ونشرا ؟
٣- هل يمكن الحديث في هذا الصدد عن "مدرسة مغربية" لها مقوماتها البنائية وأصولها الفنية، أو عن مجموعة مدارس على الأقل يتألف من تلك المجموعة ما يمكن تسميته "المدرسة المغربية الجامعة" ذات الطراز المغربي الخاص، في مقابل "المدرسة المشرقية" أو مجموعة المدارس المشرقية المنصهرة في "مدرسة جامعة" تشترك في كثير من مقوماتها البنائية ومكوناتها الفنية على نحو ما نجده في مدرسة "الحافظ ابن الجزري" من خلال كتاب "النشر" أو "طيبة النشر" اللذين سيطر من خلالهما على ساحة الإقراء بالمشرق سيطرة مطلقة كاملة.
٤- كيف استطاعت المدرسة المغربية أن تبني كيانها في هذا الجناح القاصي من البلاد الإسلامية مع اعتمادها منذ البداية على نقل "النموذج المدني" ثم "النموذج المصري" ثم انفتحت على نماذج أخرى من الشام والعراق وغيرها؟ وكيف تأتى لها أن تعبر عن ذاتها وشخصيتها دون أن تتعبدها النماذج المذكورة؟
٥- أين يتجلى النبوغ المغربي وتتمثل العبقرية والإبداع عند القارئ المغربي، وهو مع هذا يتعامل في إطار سداه ولحمته الرواية والنقل؟
ونستنتج من هذا أن دخول الحصري الأندلس كان عقب الأحداث الأليمة التي حلت بافريقية والقيروان في حدود منتصف المائة الخامسة كما أسلفنا، ولعله دخل شرق الأندلس، وتنقل هنالك بين دانية وبلنسية ومرسية وغيرها كما تدل على ذلك إشارات كثيرة في شعره وتراجم أصحابه، ثم نزل اشبيلية وتردد على اشبيلية وغيرها ثم عبر البحر فنزل سبتة حيث اطمأن به المقام زمانا في كنف أميرها سقوط البرغواطي.
الحصري في سبتة المغربية وصلته بالأمير البرغواطي :
كانت سبتة كما قدمنا مطمحا لملوك الأندلس باعتبارها بوابة العدوة المغربية، ولقد كان المعتضد بن عباد ـ والد المعتمد ـ لا يدخر جهدا في ضمها إلى مملكته، وكان بها بقية الحموديين من آل إدريس الحسنيين ملوك فاس، وكانوا قد استولوا أيضا على الجزيرة الخضراء من الأندلس وملكوها، إلا أن النزاع بين أهل هذا البيت من الحموديين وتزايد نفوذ بعض مواليهم من البرغواطيين قد أدى إلى خروج الأمر من أيديهم جملة.
ففي سنة ٤٥٣ "هجم سواجات(١) البرغواطي على رزق الله مستخلف الحموديين على سبتة فقتله، وتسمى بـ"المنصور" واستبد بالامر بعده، وهو والد العز بن سقوت، وعلى العز بن سقوت دخلها المرابطون، وكان سواجات مولى ليحيى بن علي بن حمود اشتراه من رجل حداد من سبي برغواطة، وهو دون البلوغ، فحظي عنده فلما سار يحيى إلى الاندلس وخلف سواجات مولاه بسبتة وجعل معه ناصرا عليه مولاه رزق الله، فكان منه معه ما تقدم، قتله واستبد بملك سبتة ثائرا دون مولاه، واورثها ابنه "الحاجب" بعده"(٢).

(١) - هكذا في هذا النص بهذا اللفظ، وتكتب أيضا "سكوت" و"سقوت" و"سقوط".
(٢) - البيان المغرب لابن عذاري ٣/٢٥٠ ـ والذخيرة القسم الثاني المجلد الثاني ٦٥٦ـ٦٦٤.


الصفحة التالية
Icon