وأما الريادة على المستوى العالي: مستوى الرواية والعرض على نافع والتحمل الكامل عنه، فقد استأثر بها رجلان لا ندري أيهما قدم بها قبل الآخر، وهما:
ـ أبو يحيى زكرياء بن يحيى المعروف بـ"الوقار":
وهو مصري نزل افريقية "قرأ القرآن على نافع"(١)، وعنه أخذ أبو عبد الرحمن المقرئ حرف نافع.. وأوطن طرابلس(٢)، ولم يترجم له ابن الجزري في حرف الزاي، ولكنه في آخر حرف الياء ذكر أبا يحيى "البطيح" وقال: "بفتح الموحدة وياء آخر الحروف وحاء مهملة، وهو مجهول، وروى القراءة عنه(٣)محمد بن برغوث القروي(٤)ويظهر أن ابن الجزري قد اكتفى بنقل عبارة أبي عمرو الداني بالنص دون زيادة، كما أنه لم يذكره في ترجمة نافع بين الآخذين عنه من المصريين أو غيرهم(٥)، مما يدل على أنه لم يعرفه.
أما عياض فقد ذكر عبارة الداني تماما كما ذكرها ابن الجزري، إلا أنه سماه فقال: "أبو يحيى زكرياء بن يحيى بن إبراهيم بن عبد الله من موالي قريش مصري" ثم نقل قول أبي عمرو الذي حكاه ابن الجزري فقال: "معلقا عليه: "وأبو يحيى هذا المجهول عند أبي عمرو هو أبو يحيى الوقار، ولم يذكر أبو عمرو الوقار جملة(٦)، واراه لم يبلغه خبره، أو لم يعلم أن "البطيح"(٧)هو الوقار.."(٨).

(١) - ترتيب المدارك ٤/٣٦-٣٧.
(٢) - نفس المصدر ٤/٣٧.
(٣) - في الغاية (روى القراءة عن) والصحيح ما في ترتيب المدارك (روى القراءة عنه محمد بن برغوث) ف/٣٧.
(٤) - غاية النهاية ٢/٤٠٨ ترجمة ٣٩٥٤.
(٥) - يمكن الرجوع إلى ترجمة نافع في غاية النهاية ٢/٣٣٠-٣٣٢.
(٦) - يعني في طبقات القراء والمقرئين للداني، وهو من مصادر عياض وابن الجزري.
(٧) - ضبطه ابن الجزري بما تقدم "البطيح" وفي طبقات أبي العرب" البرج برج طيب" ص ١٠٠ ـ وفي ترتيب المدارك "البرطنج" ٤/٣٧.
(٨) - نفس المصدر الأخير والصفحة.

قال في ترجمته في الغاية: "ومن وقف على قصيدته علم مقدار ما آتاه الله في ذلك، خصوصا اللامية، التي عجز البلغاء من بعده عن معارضتها، فإنه لا يعرف قدرها إلا من نظم على منوالها(١) أو قابل بينها وبين ما نظم على طريقتها، ولقد رزق هذا الكتاب من الشهرة والقبول ما لا أعلمه لكتاب غيره في هذا الفن، فإني لا أحسب أن بلدا من بلاد الإسلام يخلو منه، بل أن بيت طالب علم يخلو من نسخة منه.
ولقد تنافس الناس فيها، ورغبوا في اقتناء النسخ الصحاح بها إلى غاية، حتى انه كانت عندي نسخة باللامية والرائية بخط الحجيج صاحب السخاوي مجلدة، فأعطيت بوزنها فضة فلم أقبل".
"ولقد بالغ الناس في التغالي فيها، وأخذ أقوالها مسلمة، واعتبار ألفاظها منطوقا ومفهوما، حتى خرجوا بذلك عن حد أن تكون لغير معصوم، وتجاوز بعض الحد فزعم أن ما فيها هو القراءات السبع، وان ما عدا ذلك شاذ لا تجوز القراءة به".
(١) - كأنه يعني نفسه، فقد نظم على منوالها قصيدته" الدرة المضيئة" في القراءات الثلاث المتممة للعشر وهي منشورة معها في مجموع " أتحاف البررة بالمتون العشرة" للشيخ علي بن محمد الضباع.


الصفحة التالية
Icon