ولعله هو المراد فيما تقدم من قول عياض: "وعنه أخذ أبو عبد الرحمن المقرئ"، لكن ابن الجزري قال فيه:"محمد بن برغوث، أبو عبد الله القروي، مقرئ متصدر بجامع القيروان، أخذ القراءة عرضا عن أبي يحيى شيخ...(١)، وروى عن نافع بن أبي نعيم، وسمع من أسد بن الفرات، روى عنه القراءة أبو تميم محمد بن أحمد التميمي(٢)، وتوفي سنة ٢٧٢هـ"(٣).
فابن برغوث هذا أول هذا الرعيل الطيب الذي أنجبته افريقية في طليعة مدرسة الإمام نافع بها، ولا شك أن القراءة والعرض على أبي يحيى الوقار لم يقتصرا على تخريج قارئ واحد في المنطقة مع توافر الدواعي إلى الطلب وكثرة الطلاب، وإنما يتعلق الأمر بقلة الأخبار المتعلقة بهذا العصر، وبالأخص منها ما يتعلق بالقراءة ودخولها والآخذين بها.
ويظهر أنه لولا تصدر ابن برغوث بالمسجد الجامع بالقيروان لذهب ذكره كغيره ممن شاركوه في الأخذ عن الوقار أو غيره من مشيخة العصر في قراءة نافع أو غيرها، ولسنا ندري متى تصدر بهذا الجامع، ولكن عرضه على أبي يحيى قد كان بين سنة دخوله افريقية ـ أي سنة ٢٢٥ هـ ـ وبين وفاته سنة ٢٥٤ أو ٢٦٣ على الخلاف في ذلك(٤).
ـ ترسيم قراءة نافع وصدور الأمر القضائي الرسمي بالاقتصار عليها في التعليم والإقراء
والذي يهمنا أكثر في شأن هذا القارئ ما ذكره عياض نقلا عن أبي عمرو الداني في ترجمة أبي العباس عبد الله بن طالب قاضي القيروان(٥)قال:
(٢) - هو أبو العرب صاحب طبقات علماء افريقية.
(٣) - غاية النهاية ٢/١٠٤ ترجمة ٢٨٧١.
(٤) - ينظر الخلاف في سنة وفاة الوقار في ترتيب المدارك ٤/٣٨ وطبقات الفقهاء للشيرازي ١٥٤ والدبياج ١١٨.
(٥) - ترجمته في رياض النفوس ١/٤٧٤٧-٤٧٠ ترجمة ١٥٥ ـ وترتيب المدارك ٤/٣٠٨-٣٣١.
يقول الدكتور أحمد أمين في معرض حديثه عن علوم القراءات في الأندلس: "فالشاطبي الذي ألف رسالته المسماة "حرز الأماني" والتي تسمى بـ "الشاطبية" نسبة إليه، قد اشتهرت في الشرق والغرب جميعا، وأخذت عمادا للقراءات في مختلف العصور والأقطار"(١).
ويقول الأستاذ محمود محمد الطناجي في معرض التقويم للتراث العربي في المغرب متحدثا عن الحرز:
"وقد صار نظمه هذا العمدة في ذلك الفن، وتعاقب عليه الشراح من المشرق والمغرب، ولايزال يتصدر برامج الدراسة في معهد القراءات بالأزهر الشريف"(٢).
وتقول الدكتور عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ):"ورزقت لاميته "حرز الأماني" وهي الشاطبية من الشهرة والقبول ما لا يعلم لكتاب غيرها في القراءات، وتنافس الناس في اقتناء النسخ الصحاح منها في حياته وبعد وفاته"(٣).
تلك صور ونماذج من مختلف العصور تمثل آراء العلماء والقراء في القصيدة.
العناية العملية بها في التحفيظ والتدريس.
أما على مستوى اعتمادها وسيلة علمية عملية في التدريس، فتتمثل العناية بها في أكثر من مظهر:
أ ـ تحفيظها للناشئة والمتعلمين. ب ـ اعتمادها وحدها في القراءة والأداء. ج ـ الاهتمام بشرحها وبسط مقاصد الناظم فيها، وهذه النقط تتطلب منا بعض التوقف لبيان ما تحقق لها من خلالها في المشرق والمغرب على السواء.
(٢) - الدكتور الطناجي في بحث " التراث العربي في المغرب وقضية التواصل بين المشرق والمغرب" ص ٩٥ (نشر بمجلة دعوة الحق المغربية العدد ٩ السنة ١٧ ذي القعدة ١٣٩٦هـ نوفمبر ١٩٧٦.)
(٣) - الدكتورة عائشة عبد الرحمن في بحث " التواصل بين المغرب ومصر"(نشر بدعوة الحق العدد ٢٥٦ رمضان ١٤٠٦ – أبريل ١٩٨٦ ص٣٤).