وتتبعت إشعاع تلك القصائد والأراجيز التي استعرضتها أو سقت نصوصها الكاملة، فأوردت ما تيسر لي من أسماء أو مطالع القصائد أو الأراجيز التي نسجت على منوالها معارضة لها أو شرحا أو تذييلا وتكميلا أو اختصارا لها.
ووقفت من خلال معالجة مذاهب الأئمة على عدد من الخصومات العلمية والمعارك النقدية بين علماء المدرسة المغربية، واستعرضت في آخر البحث المحور العام للأسانيد المغربية في قراءة نافع من رواية ورش، كما عقدت الفصل الأخير لخصائص التلاوة المغربية في ضوء اختيارات الأئمة الأقطاب مع التنبيه على أهم مسائل الخلاف، وبيان ما استقر عليه العمل فيها، وتوقفت بصفة خاصة عند عدد من القضايا الأدائية التي زاغت فيها التلاوة المغربية عند المتأخرين عن الطريق القاصد الذي رسمه الأئمة، وما ألف في ذلك من الرسائل والردود تصحيحا وتوجيها.
وترجمت في صلب الموضوع لمشاهير الأئمة وأصحابهم في مواضعها من البحث، وترجمت لآخرين منهم ومن غيرهم بالهوامش تراجم مختصرة أكتفي فيها في الغالب بذكر مصدر أو مصدرين رغبة في الاختصار، وربما أحلت على الترجمة دون أن أدخل في التفاصيل.
ووثقت سائر النقول التي أوردتها في البحث بتسمية المصادر أو المراجع التي استقيت منها، كما وضعت كلام غيري سواء سميت صاحبه أم لا بين مزدوجتين لأشير عقبه بالهامش إلى القائل والمصدر الناقل مع ذكر الجزء ورقم الصفحة إذا كان المصدر أو المرجع مطبوعا أو رقم الورقة إذا كان مخطوطا أو مصورا عن خزانة عامة، وأكتفي أحيانا بكتابة لفظ (مخطوط) بين هلالين إذا كان مخطوطا أو مصورا عن خزانة خاصة.
ونبهت على ما رجعت إليه من المخطوطات في الخزائن العامة غالبا بالتصريح بأسمائها، وفي أحيان أخرى أذكر رموزها كالتالي:
... م خ ع... = مخطوط الخزانة العامة بالرباط.
... م خ ح... = مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط.
م خ ت... = مخطوط الخزانة العامة بتطوان....
م خ ق... = مخطوط بخزانة القرويين بفاس.
ولقد اجتمع في الحصري من المؤهلات ما تفرق في غيره، فكان أديبا شاعرا وكاتبا بليغا(١) ومقرئا متمكنا، وبعض هذه المزايا كاف لأن يبوئه عند رجال هذه الدولة المنزلة العالية استكثارا به وازديانا ومنافسة لباقي الامارات.
ولقد قدمنا من حال كبير هذه الدولة "سقوط" تلك المفارقة العظيمة التي فطن إليها أبو الوليد بن جهور حينما وصلته في يوم واحد ثلاثة كتب من أمراء الطوائف: كتاب من ابن صمادح ـ صاحب المرية ـ يطلب جارية عوادة، وكتاب من ابن عباد يطلب جارية زامرة، وكتاب من "سواجات" ـ صاحب سبتة ـ يطلب قارئا يقرأ القرآن، فوجه إليه من طلبة قرطبة رجلا يعرف بعون الله بن نوح، وعجب أبو الوليد من ذلك وقال:
"جاهل يطلب قارئا، وعلماء يطلبون الأباطيل"(٢).
فدولة هذا شأن أمرائها لا بد أن يجد فيها مثل الإمام الحصري أعلى ما يتصور من مظاهر الحفاوة والتقدير، ولهذا نراه وقد اختار المقام هناك، وعرف حياة مستقره مع أهله وولده، لولا انه مني هنالك بموت بعضهم فكانت له فيهم مراث باكية خصها بديوان خاص(٣).
إلا أن الحياة فيما يبدو لم تصف له بهذه الجهة فظل من حين لآخر يغشى بعض الجهات بالأندلس مادحا لبعض أمرائها، ومنتجعا لبعض الآفاق التي ربما خلا له الجو فيها من الخصوم والمتربصين، ويظهر أنهم كانوا في نظره كثيرا، وأنهم كانوا لا يفتأون يكيدون له بكل سبيل بغية الإيقاع به كما عبر عن ذلك في قوله:

أصيب قصيد فيه كفر فنيط بي وكم شاعر قيلت على فيه أشعار
ومن كل كف قد رميت بصخرة وفي راحتي لو أمكن الرأي أحجار(٤)
(١) - أورد له ابن بسام نماذج كثيرة من القصائد الشعرية والقطع النثرية وهو من أمهر الشعراء والكتاب في اصطياد المحسنات البديعية والبيانية ـ وينظر ذلك في الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول.
(٢) - البيان المغرب ٣/٢٥٠.
(٣) - سماه اقتراح القريح واجتراح الجريح (مخطوط). ـ الاعلام للزركلي ٥/١١٤.
(٤) - الذخيرة القسم ٤ المجلد ١/٢٦١.


الصفحة التالية
Icon