على الرغم من كون الباعث الأول على أكثر الرحلات الحجازية إنما هو أداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، فإن رحلة الحج كانت تتوج عادة بدخول المدينة المنورة للصلاة في المسجد النبوي وزيارة الروضة الشريفة، والتملي بمشاهد الحرم المدني، وكان هذا يستتبع عن قصد أو غير قصد الاتصال بعلماء أهل المدينة الذين واصلوا منذ خلافة الراشدين القيام بنشر العلم ورواية الحديث في حلقات ومجالس علمية في رحاب هذا المسجد لا تنقطع على السنين، الأمر الذي كان يتيح للوارد على المدينة أن يتوج زيارته لهذه المشاهد بالتعرف على أولئك الأعلام، والجلوس إليهم في تلك الحلقات والمجالس العلمية قبل الرحيل عنها، ليعود إلى بلاده مزودا بزاد نفيس من علوم الإسلام، في وقت كانت تتطلع فبه عامة البلدان إلى الرواية عن أهل المدينة، إذ كانت الرواية عنهم عنوان الشرف عند أهل الأمصار، على ما جاء عن أبي العالية الرياحي(١)قال: "كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ ونحن بالبصرة، فلم نرض حتى رحلنا إليهم فسمعناها من أفواههم"(٢).
(٢) - الطبقات الكبرى لابن سعد ٧/١١٣.
٤- شرح الشاطبية لعلي بن محمد بن عبدالصمد أبي الحسن السخاوي صاحب الشاطبي (ت٦٤٣).
وشرحه عليها مشهور، وعنوانه " فتح الوصيد، في شرح القصيد"، وإليه يشير الحافظ أبو شامة بقوله: " وإنما شهرها بين الناس وشرحها وبين معانيها وأوضحها ونبه على قدر ناظمها، وعرف بحال عالمها، شيخنا الإمام العلامة علم الدين، بقية مشايخ المسلمين أبو الحسن علي بن محمد ـ يعني السخاوي ـ"(١).
وفيه يقول أبو إسحاق الجعبري مشيرا إلى تقدمه:" وكل كل على فاتح وصيدها، وماتح نضيدها، الشيخ العلامة تاج القراء سراج الأدباء علم الدين أبي الحسن السخاوي جزاه الله عنا خير الجزاء"(٢).
وقال ابن الجزري:" وألف من الكتب شرح الشاطبية، وسماه "فتح الوصيد"، فهو أول من شرحها (٣) بل هو ـ والله أعلم ـ سبب شهرتها في الآفاق، وإليه أشار الشاطبي بقوله:" يقيض الله لها فتى يشرحها"(٤).
وقال في منجد المقرئين :"كان مشغوفا بالشاطبية، معنيا بشهرتها، معتقدا في شأن مؤلفها وناظمها ـ رحمه الله تعالى ـ ولهذا اعتنى بشرحها فكان أول من شرحها، وهو الذي قام بشرحها بدمشق، وطال عمره، واشتهرت فضائله، فقصده الناس من الأقطار، فاشتهرت " الشاطبية" بسببه، وإلا فما كان قبله تعرف الشاطبية ولا تحفظها، وكان أهل مصر كثيرا ما يحفظون " العنوان: لأبي الطاهر، مع مخالفته لكثير مما تضمنته الشاطبية"(٥).
(٢) - كنز المعاني وقوله: "وكُلٌّ كُلٌّ" الأولى بضم الكاف والثانية بفتحها.
(٣) - يقارن بما قاله في ترجمة عبد الرحمن بن الحداد التونسي آنفا من كونه "يحتمل أن يكون أول من شرحها".
(٤) - غاية النهاية ٢/٥٧٠ ترجمة ٢٣١٨ وبعض ذلك في إبراز المعاني لأبي شامة٨.
(٥) - منجد المقرئين ٥٣.