وأخرج الحافظ ابن عبد البر عن قيس بن عباد(١)فال: "قدمت المدينة أطلب العلم والشرف"(٢)وقال علي بن المديني(٣): "حججت حجة، وليس لي هم إلا أن أسمع"(٤).
ولقد كان اهتمام أهل المغرب عموما بالغا مداه في الصدر الأول في طلب هذا الشأن في الحجاز اغتناما لرحلة الحج التي هي رحلة العمر في الغالب، ولما لاحظه العلامة ابن خلدون من التناسب الذي بين المغاربة وأهل الحجاز في أحوال المعاش، ولكون هذا المجال هو الذي استغرق أكثر توجهاتهم "لما أن رحلتهم كانت غالبا إلى الحجاز، وهو منتهى سفرهم، والمدينة يومئذ دار العلم، وشيخهم يومئذ وإمامهم مالك وشيوخه من قبله وتلاميذه من بعده، فرجع إليه أهل المغرب والأندلس، ولم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق، فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة"(٥).
فالرحلة إلى الحجاز كانت أهم الأسباب التي مهدت لتعرف المغاربة على مذاهب أهل المدينة، وساعدت على الوقوف على قراءة نافع بها، وكان هم الطالب يومئذ أن تتاح له فرصة كهذه ليجمع بين أداء الفريضة والزيارة، وبين الأخذ عن إمام دار الهجرة في الفقه مالك بن أنس، وإمامها في القراءة نافع بن أبي نعيم.
العامل الثاني: إيثار مذاهب أهل المدينة على غيرها
(٢) - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر النمري ١/٨٠.
(٣) - هو علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح التميمي السعدي أبو الحسن البصري الحافظ امام أهل الحديث في زمنه، مات سنة ٢٣٤. ـ خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي ٢٧٥.
(٤) - علوم الحديث ومصطلحه للدكتور صبحي الصالح: ٥٤.
(٥) - مقدمة ابن خلدون ٤٤٩.
ويظهر أن شرحه هذا قد وضعه بعد موت الشاطبي بيسير فأخذه عنه عامة من قرؤوا عليه، والظاهر أنه هو المراد عند الوزير أبي الحسن القفطي في قوله في ترجمة الشاطبي:" وعليها أكثر القراء إلى اليوم، وقد شرحت في مجلدين شرحها بعض تلاميذه"(١)، هذا مع أن القفطي توفي سنة ٦٢٤ أي قبل أبي الحسن السخاوي بنحو عشرين سنة، فيكون قد ألف شرحه المذكور قبل هذا التاريخ.
وتدل بعض النسخ المخطوطة من هذا الشرح على أنه كان متداولا قبل هذا، ومنها نسخة كتبت سنة ٦١٢ وعليها إجازة بخطه أشار إليها بعض الباحثين(٢).
ونسخه الخطية على العموم كثيرة في الخزائن شرقا وغربا، وبعضها كتب في حياته وعليه خط إجازته(٣)، وقد بلغني أخيرا أنه طبع ببعض البلدان العربية إلا أن نسخه لم تصل بعد.
وأشير هنا إلى أمر مهم لم أر من نبه عليه، وهو أن لأبي الحسن السخاوي شرحين على الشاطبية أحدهما "الصغير" والآخر الكبير، والظاهر أن الذي في الأيدي هو الكبير لأنه في مجلدين كبيرين(٤).
(٢) - ذكرها الدكتور علي حسين البواب ي مقدمة تحقيقه لجمال القراء وكمال الاقراء لأبي الحسن السخاوي ٦-٧. وأشار بالهامش إلى وجود النسخة المذكورة حسب (فهرس المصاحف والتجويد – جامعة الامام ١٣٠-١٣١) يعني بالعربية السعودية - الرياض.
(٣) - يوجد خط اجازته برواية الشرح المذكور على الجزء الثاني منه مؤرخا بسنة ٦٤٠ وهو من محفوظات الخزانة التيمورية بمصر تحت رقم ٢٥٥ تفسير ويقع في ٤١٣ صفحة (أعلام الدراسات القرآنية للدكتور مصطفى الصاوي الجويني ٢٢٣).
ومن النسخ الخطية بالمغرب نسخة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم ٩٢٠ ق وأخرى تحت رقم ٢٠٠٥ ك وبالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم ٨٠٠٨ وأخرى برقم ٨٣١٣ وبخزانة ابن يوسف بمراكش برقم ٥٢٨.
(٤) - وقفت منه على مصورة عن نسخة بالمدينة المنورة في مجلدين في ٤٢٠ لوحة وعليها اعتمدت في التعريف به.