لا يرتاب أحد في علو مكانة المدينة المنورة عند عامة المسلمين، باعتبارها دار هجرة خير المرسلين ومثواه حيا وميتا، وإلى هذه المكانة يشير عياض بقوله متحدثا عن أهلها:
"بوأهم دار وحيه ومأرز(١)دينه، ومتبوأ شرعه ومهبط ملائكته، ومهاجر نبيه ومنزل كتابه، ومجثم مثوى رسله ومجتمع الخير كله، كهف الإيمان والحكمة، ومعدن الشريعة والسنة، وسراج الهدى الذي بنوره أضاءت المشارق والمغارب، وينبوع العلم الذي استمدت منه سائر الأودية والمذانب"(٢).
وقد نشأ عن هذا التوقير العام للمدينة، توقير لجميع ما ينسب إليها أو ينقل عن أهلها من شعائر الدين ومظاهر السلوك، ومن هنا جاء اعتماد المغاربة لفقه أهل المدينة وقراءتهم وما أثر عنهم من عمل. ولا شك أن اعتماد قراءة نافع من لدن جمهور قراء المناطق المغربية إنما كان استجابة لهذا التقدير وانسجاما معه، وهو أمر له من الدواعي ما ييسره ويبعث عليه ويحمل على إيثاره، لاسيما لدى أولئك الأصحاب الرواد الذين اقتنعوا تمام الاقتناع بمكانة المدينة ومكانة مشيختها من أمثال مالك ونافع وهو ما يتمشى وما حفظه مالك نفسه للمدينة من اعتبار خاص، على ما قرره في رسالته المشهورة إلى صاحبه الليث بن سعد دفاعا عن إيثاره للأخذ بمذهب أهل المدينة وعملهم إذ يقول:
(٢) - ترتيب المدارك ١/٤.
وقد أسند المنتوري في فهرسته ما سماه " كتاب الشرح الصغير لحرز الأماني" وقال" تأليف الشيخ علم الدين أبي الحسن علي بن محمد السخاوي، قرأت بعضه على الأستاذ أبي عبد الله محمد بن محمد بن عمر (١) وناولني جميعه، وحدثني به عن الأستاذ أبي الحسن علي بن سليمان القرطبي عن القاضي تقي الدين أبي عبد الله محمد ابن الحسين بن رزين الحموي عنه"(٢).
ومع أن المنتوري لم يسند في فهرسته إلا "الشرح الصغير"، فإنه ينقل في شرحه على الدرر اللوامع لابن بري عن "الشرح الكبير" فيقول مثلا في باب المد عند قول الشاطبي: "فإن ينفصل فالقصر بادره طالبا"" قال السخاوي في "الشرح الكبير": "أشار بقوله: "بادره طالبا"إلى استحسانه الفرق بين ما يلزم فيه المد..(٣).
ونقل عنه بهذا الوصف أيضا عند ذكر إدغام النون في الراء واللام، وفي باب الإمالة عند ذكر الخلاف فيما فيه "ها" كناية عن المؤنث من رؤوس الآي"(٤).
ونقل أبو زيد بن القاضي عن المنتوري ما ذكره في شرحه على الدرر اللوامع أيضا ولم يتعرض لقوله "الشرح الكبير" ببيان، كما أن الجعبري والذهبي وابن الجزري كلهم ذكر للسخاوي "فتح الوصيد" والوسيلة في شرح العقيلة وغير ذلك، ولم يذكر له أحد منهم على الشاطبية غير ما ذكر.
(٢) - فهرسة المنتوري لوحة ٧.
(٣) - شرح المنتوري على الدرر اللوامع لوحة ٧٨.
(٤) - المصدر نفسه في باب الإدغام وباب الإمالة.