ولا يخفى أن هذه الخاصية التي لأهل المدينة في هذا الشأن كما تسري على الرواية الفقهية والسنن العملية تسري على القراءة من باب أولى، لأن القراءة نقل محض لا مجال فيه لرأي أو اجتهاد شخصي، على ما أثر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "القراءة سنة، فاقرأوا كما تجدونه"(١)، وعن عروة بن الزبير قال: "إنما قراءة القرآن سنة من السنن، فاقرأوه كما أقرئتموه"(٢).
كان اعتماد قراءة نافع إذن وإيثارها على غيرها من قراءات أئمة الأمصار الأخرى داخلا في إيثار ما عليه عمل أهل المدينة من السنن القولية والفعلية، وهو ما نحا إليه مالك ـ رحمه الله ـ حين قال: "قراءة أهل المدينة سنة، قيل له: قراءة نافع؟ قال: نعم"(٣)وقد أثر ذلك عن غير مالك من الأئمة أيضا(٤).
ولقد غدا الأخذ بمذاهب المدنيين شعار الدولة في الأندلس، وتجاوز الأمر فيه مستوى الاقتناع والإقناع بجدارته وأحقيته، إلى مستوى الإلزام الذي لا خيار فيه لأحد في الميدان الفقهي والعملي، ابتداء من حياة مالك حيث كانت لخطوات الحثيثة نحو ترسيمه، وانتهاء إلى عهد القوة والملك العريض الذي تأثل لأمويي الأندلس في المائة الرابعة على أيام عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر والحاجب المنصور بن أبي عامر.
(٢) - المصدر نفسه ٥٢.
(٣) - رواه سعيد بن منصور عن مالك، ولم أقف عليه في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور في الجزءين ونقله الذهبي في معرفة القراء الكبار ١/٩٠.
(٤) - سيأتي مثل ذلك عن الإمام أحمد والليث وابن وهب، ويمكن الرجوع إلى ابراز المعاني لأبي شامة ٦ ومعرفة القراء الكبار ١/٩٠ وغاية النهاية ٢/٣٣٢ والنشر ١/١١٢. وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦٢.
ذلك رأي أبي شامة في شرحه المذكور.
أما ابن الجزري فقد قال: "وشرح الشاطبية شرحا لا بأس به"، إلا أنه استدرك آخر الترجمة فقال: "وفي شرحه القصيد مواضع بعيدة عن التحقيق، وذلك انه لم يقرأ بها على الناظم ولا على من قرأ عليه"(١).
أما السيوطي فقد أثنى على شرحه فقال: "له شرح على الشاطبية مطول مفيد"(٢).
وذكر شرحه في كشف الظنون وقال: هو شرح كبير، وذكر أن أوله "الحمد لله بارئ الأنام.. (٣).
ويدل على أهمية هذا الشرح على ما وجه إليه من مآخذ ـ توافر نسخه الخطية
في الخزائن المشرقية في مصر والعراق وتركيا وغيرها(٤).
٦- شرح الشاطبية أو "اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة" لأبي عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن يوسف الفاسي نزيل حلب بالشام (ت ٦٥٦) بها(٥)
(٢) - بغية الوعاة ٢/٣٠٠ ترجمة ٢٠٢٢.
(٣) - كشف الظنون لحاجي خليفة: ١/٦٤٨.
(٤) - منه نسخة بمعهد المخطوطات بمصر رقم ٣٣ـ وبالأوقاف العراقية برقم ٣٢٧٩ وبمكتبة الأزهر بمصر رقم ١٣٤٤ وبمكتبة بلدية الاسكندرية برقم ١١٩١ب (أعلام الدراسات القرآنية للدكتور مصطفى الصاوي الجويني ٢٢٢). وتسع خطية أخرى ذكرت في (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي ١/٢٠٠ـ٢٠١).
(٥) - هذا الصحيح في تاريخ وفاته كما في معرفة القراء ٢/٥٣٤ وغاية النهاية ٢/١٢٣ وذيل الروضتين لأبي شامة ١٩٩. ووقع في كشف الظنون ١/٦٤٧ انه توفي سنة ٦٧٢، وفرغ من تأليفه في صفر سنة ٦٧٢ أيضا وهو خطأ واضح.