وهكذا غدا تقديم نافع في الذكر على القراء السبعة تقليدا لما درج عليه عامة المؤلفين وأصحاب القصائد التعليمية كالشاطبي في "حرز الأماني" وغيره، فقال الفاسي في اللآلئ الفريدة: "بدأ ـ يعني الشاطبي ـ بنافع تفضيلا له علما ومحلا"(١). وقال القسطلاني معللا لتقديمه له: "قدم لشرف محله"(٢).
ونجد صدى هذا الإيثار والتوجيه أيضا عند المفسرين المغاربة في اعتمادهم قراءة نافع في أول ما يديرون عليه تفاسيرهم ثم يذكرون بعد ما يحتاج إليه من اختلاف، فقد علل الإمام ابن جزي لبنائه تفسيره عليها بقوله: "وانما بنينا هذا الكتاب على قراءة نافع لوجهين: أحدهما أنها القراءة المستعملة في بلادنا بالأندلس وسائر المغرب، والأخرى اقتداء بالمدينة ـ شرفها الله ـ لأنها قراءة أهل المدينة، وقال مالك: قراءة نافع سنة"(٣).
ونجد صدى هذا حتى عند المتأخرين من الأئمة، فهذا العلامة محمد الطاهر بن عاشور التونسي يقول في تفسيره: "وأبني أول التفسير على قراءة نافع برواية عيسى بن مينا المدني الملقب بقالون، لأنها القراءة المدنية قارئا وراويا، ولأنها التي يقرأ بها معظم أهل تونس، ثم أذكر خلاف بقية العشرة"(٤).
وقد بلغ الأمر مداه في التمسك بـ"المدنية" في انتقاد الإمام المارغني على أبي الحسن بن بري ما فعله في أرجوزته المسماة بـ"الدرر اللوامع" من تقديم ورش على قالون
في الذكر(٥)

(١) - اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة لمحمد بن الحسن الفاسي (مخطوط سيأتي في شروح الشاطبية).
(٢) - لطائف الإشارات لفنون القراءات للقسطلاني ١/٩٤.
(٣) - التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي ١/٧.
(٤) - التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور التونسي ـ المقدمة السادسة ١/٦٣.
(٥) - يعني في قوله:
على الذي روى أبو سعيد عثمان ورش عالم التجوي

"الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب(١)، ووعد من تلاه وعمل به جزيل الثواب، أحمده حمد مومن موقن... أما بعد فإن جماعة من القراء المشتغلين بقصيدة الشيخ الإمام أبي القاسم الشاطبي ـ رحمه الله ـ سألوني أن أشرحها لهم شرحا يعينهم على نظمها، ويوفقهم على فهمها وعلمها، فوقفت عن ذلك زمانا لاختلاف أغراضهم في التكثير والتقليل، إذ الجمع بينهما في شرح واحد مستحيل، ثم استخرت الله تعالى في جمع شرح وسط لا أميل فيه إلى الاستكثار، ولا أخل فيه بالمقصور بقصد الاختصار، فجمعته على ما رأيت من الترتيب، وآثرت من التلخيص والتقريب، وسميته بـ"اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة...
ويقع الشرح مع هذا الاختصار الذي التزم به في مجلدين كبيرين، وطريقته أنه يحل معنى البيت ثم يعرب بعض ما يشكل فيه، ثم يأخذ في النقول وأكثرها من كتب الداني وهو في الغالب لا يسميها وإنما يقول قال الحافظ أبو عمرو، ومن الأمثلة الوافية في ذلك نقوله في باب الراءات، ويعزز الأقوال أحيانا بالنقل عن مكي والمهدوي والحصري في قصيدته، ويحتج لوجوه القراءات بالنقل عن أبي علي الفارسي في الحجة ومكي في الكشف، وربما نقل عن الزمخشري أيضا في الكشاف، وهو في الجملة من مفاخر ما كتبه المغاربة المتصدرون بالمشرق.
(١) - اعتمدت في تعريفي به على نسختين إحداهما نسخة الشيخ المقرئ السيد أحمد بن الكونطري بالصويرة، والأخرى نسخة الخزانة العامة بالرباط وهي المسجلة تحت رقم ق ٣٥٠ وهي نسخة جيدة ضاعت سطور يسيرة من آخرها تتعلق بتمام شرح آخر بيت من الشاطبية، وتستغرق من المجموع الذي هي فيه ٧٧٧ صفحة في ورق كبير بمعدل ١٦ كلمة في السطر وعدد السطور ٢٦ في كل صفحة وليس فيها ذكر لاسم الناسخ ولا تاريخ النسخ.


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
والعالم الصدر المعلم العلم عيسى بن مينا وهو قالون الأصم