كما سيأتي لنا أيضا بيان المكانة التي كان يحظى بها نافع عند الإمام مالك، سواء في الثناء على شخصه، أم في التنويه بقراءته، أم في توقيره والحرص على سمعته، فمن الأول قول مالك: "نافع إمام الناس في القراءة(١)، ومن الثاني قوله: "قراءة نافع سنة"(٢)، ومن الثالث احتياطه له حينما استشاره الخليفة في تقديمه لصلاة التراويح في رمضان بالمسجد النبوي فقال مالك: "هو إمام، وأخاف أن يكون منه شيء في الغفلة"(٣)وقد سرى هذا التقدير لنافع على لسان إمام المذهب وتناقله الأتباع من الطرفين، وعمل عمله إلى جانب المزايا الرفيعة والشمائل العالية التي اختص بها في زيادة إجلاله وتوقيره، حتى ارتبط في الأذهان واقترن التنويه بمالك بمثله لنافع باعتبار ما ذكرنا من المشيخة، واعتبار مذهب كل منهما من السنن العملية التي تمثل طريقة أهل المدينة المنورة هذا في القراءة، وذلك في المذهب الفقهي، بل ان الأمر قد تجاوز ذلك إلى ما فهمه بعض الأئمة من دخول نافع مع مالك في مقتضى التنويه الذي تأوله سفيان بن عيينة وغيره من الأئمة بخصوص حديث النبي ـ ﷺ ـ الآتي، فقال أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس (ت ٣٣٨هـ) وهو من أعلام مدرسة ورش بمصر ـ عند حديثه عن مكانة الإمام نافع وما كان له من السبق في وضع "كتاب التمام" لتحديد مواقع الوقف التام، وذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه ـ قال:
"سيأتي على الناس زمن تضرب فيه أكباد الإبل في طلب العلم، فلا يوجد إلا عند عالم المدينة،(٤).

(١) - غاية النهاية ٢/٣٣٣.
(٢) - تقدم ذكره من رواية ابن وهب وغيره وسيأتي تحقيق معنى هذا القول.
(٣) - ترتيب المدارك ٢/١٠٥.
(٤) - ورد الحديث بصيغ متقاربة وطرق متعددة ذكرها ابن عبد البر في الانتقاء ١٩-٢٢ وعياض في ترتيب المدارك ٢/٦٨-٧١، وابن فرحون في الديباج المذهب ١٣-١٤.

أبو محمد المرسي المقرئ(٥٧٥- ٦٦١- وصاحب الشرح إمام جليل من أعلام المدرسة الأثرية بالأندلس، قرأ بالتيسير على أبي جعفر أحمد بن علي الحصار صاحب أبي الحسن بن هذيل، وعلي محمد بن سعيد المرادي ومحمد بن نوح الغافقي وغيرهم من أعلام هذه المدرسة، وكان ذلك قبل الستمائة، ثم قدم مصر فقرأ بها وقرأ بدمشق وبغداد وغيرها والف في العربية وشرح الشاطبية (١).
ذكره الجعبري في آخر الكنز في مصادره التي اعتمد عليها كما اعتمده المنتوري في شرحه ونقل عنه في باب الراءات قوله:"الترقيق تقريب الفتحة من الكسرة، فهو نوع من الإصالة"(٢). وذكره صاحب الكشف(٣) وما تزال بعض نسخه الخطية محفوظة في بعض الخزائن(٤)
١٠- شرح الشاطبية لأبي الفتح شمس الدين محمد بن علي بن موسى الأنصاري الدمشقي(ت ٦٥٧)
تقدم أنه كان أجل أصحاب السخاوي، وهو صاحب القصة مع أبي شامة في شأن تنافسهما على تولي كرسي الاقراء ـ كما تقدم ـ ترجم له الذهبي وقال:"وله معرفة تامة، وقد شرح الشاطبية شرحا متوسطا(٥).
١١- شرح الشاطبية أو ابراز المعاني من حرز الأماني" للحافظ شهاب الدين أبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي(ت ٦٦٥).
(١) - يمكن الرجوع في هذا إلى ترجمته في معرفة القراء ٢/٥٢٦- ٥٢٧ طبقة ١٥ – وغاية النهاية ٢/١٥ ت ٢٥٨٣. وبغية الوعاة ٢/٢٥٠ ترجمة ١٩١٢- ونفح الطيب ٢/٣٣٧-٣٣٨- والأعلام للزركلي ٦/٦.
(٢) - شرح المنتوري لوحة ٢٦٤.
(٣) - كشف الظنون ١/٦٤٨.
(٤) - منه نسخة بظاهرية دمشق برقم ٧١٨٧: تاريخها٧٨٦- ونسخة بمكتبة حسن حسني السليمانية باستامبول برقم ٧٢( الفهرس الشمل للتراث ١/٢٢٢).
(٥) - معرفة القراء ٢/٥٣٥ طبقة ١٦.


الصفحة التالية
Icon