قال النحاس: قال مصعب الزبيري(١): قال ابن عيينة: نرى أن هذا الحديث: "يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة،" أنه مالك بن أنس".
ثم ذكر النحاس رواية أخرى عن الإمام أبي عبد الرحمن النسائي ـ صاحب السنن ـ قال: "أرجو أن يكون العالم مالك بن أنس".
قال أبو جعفر النحاس: "وانما ذكرنا هذا لأن نافعا مع مالك كانا في عصر واحد بالمدينة"(٢).
يعني أنه إشارة أو تلميح إلى احتمال دخول نافع مع مالك في هذا التقريظ النبوي الشريف لعالم المدينة، لاسيما على القول الذي يذهب إلى أن المراد بعالم المدينة "الجنس" لا الشخص المعين(٣)، أي أن عالم المدينة في ذلك الزمن يكون أرسخ قدما في العلم من عالم غيرها من الأمصار، وذلك فيما لمح إليه النحاس كما يصدق في الفقه والآثار يصدق على القراءة وعلومها، فيشترك فيه مالك ونافع على حد سواء.
وعلى هذا المحمل حمله أبو المغيرة محمد بن إسحاق المخزومي(٤)من علماء المدينة قال: "فيكون على هذا سعيد بن المسيب، لأنه النهاية في وقته، ثم بعده غيره ممن هو مثله من شيوخ مالك، ثم بعدهم مالك، ثم بعده من قام بعلمه وصار أعلم أصحابه بمذهبه، ثم هكذا مادام للعلم طالب ولمذهب أهل المدينة إمام".

(١) - مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري أبو عبد الله المدني روى عن مالك الموطأ وغيره وعرف بصحبته، اشتهر بمعرفة الأنساب (ت ٢٣٦ هـ) ترجمته في ترتيب المدارك ٣/١٧٠-١٧٢ وخلاصة الخزرجي ص ٣٧٨.
(٢) - كتاب القطع والائتناف لأبي جعفر بن النحاس ٧٦.
(٣) - ينظر في هذا الشأن ترتيب المدارك ١/٧٠-٧٥.
(٤) - كان بالمدينة ثم خرج إلى العراق فولي القضاء بفارس. ترجمته في ترتيب المدارك ٤/٢٧٦.

هذا الشرح هو المتداول له، وقد طبع في مجلد طبعة قديمة، ثم أعيد طبعه محققتا(١).
وقد أشار في أوله أنه كان قد بدأ في كتابه بلغ به باب الهمزتين من كلمة في نحو مجلدة، ثم عدل عنه(٢). وقال في"ذيل الروضتين":"وهما شرحان أصغر وأكبر، والأكبر إلى الآن لم يتم، والأصغر مجلدان"(٣).
ويعتبر هذا الشرح من أحسن شروح الشاطبية مع صغر حجمه النسبي، وقد اعتمده الأئمة كثيرا في تدريس الشاطبية، وحرصوا على روايته بالسند إلى مؤلفه كما نجد عند المنتوري في الأندلس(٤) وابن الجزري في الشام(٥)، ودليل رواجه وسعة اعتماده ما نجده من كثرة نسخه المخطوطة في الخزائن الرسمية، ومنها ما كتب في حياة مؤلفه(٦)، وقد ذكر له في الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط ٦٣ مخطوطة وسمى مواضع وجوده وذكر أرقامها في الخزائن ثم ذكر خاتمتها(١/٢٣٣) وجود مختصر منه باسم:
١٢- مختصر ابراز المعاني من حرز الأماني ووجه التهاني للمؤلف نفسه.
وذكر أن من هذا المختصر مخطوطة بأوقاف الموصل كتبت سنة ٧٧٢ وهي برقم ١٨/٢ وعدد أوراقها ٢٣٣.
فإذا صح هذا وكان المؤلف هو واضع هذا المختصر أيضا، دل ذلك على أنه بعد أن عدل عن تأليفه الكبير إلى تأليفه المتداول وأتمه، رأى أن يعود عليه فيختصره، ويقتصر منه على ما لا بد منه دون إفاضة في النقول والتوجيهات.
(١) - طبع أولا بمطبعة مصطفى البابي بمصر سنة ١٣٤٩ هو وبهامشه إرشاد: المريد على مقصود القصيد، والبهجة المرضية في القراءات الثلاث المتممة للعشر وكلاهما للشيخ علي الضباع. وطبع أخيرا بتحقيق إبراهيم عطوة في مجلد كبير يقع في ٧٦٢ صفحة بتاريخ ١٣٩٨ هـ ١٩٧٨.
(٢) - إبراز المعاني ٨( الطبعة المحققة).
(٣) - ذيل الروضتين ٣٩.
(٤) - فهرس المنتوري لوحة ٧.
(٥) - النشر ١/٦٣.
(٦) - منها نسخة كتبت سنة ٦٥٧ مخطوطة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض رقم ٢٥١٤.


الصفحة التالية
Icon