ويظهر هذا الحفاظ على وحدة القراءة والمذهب والسعي إلى تمام الانسجام بينهما في إشارات كثيرة نلتقطها من المظان، منها ما ساقه أبو الوليد بن رشد القرطي (ت ٥٢٠هـ) في فتوى له جاء فيها قوله:
وأما ما سألت عنه مما يقع في كتب المفسرين والمقرئين من تحسين بعض القراءات واختيارها على بعض، لكونها أظهر من جهة الاعراب، أو أصح في النقل، أو أيسر في اللفظ، فلا ينكر ذلك، كرواية ورش التي اختارها الشيوخ المتقدمون عندنا، فكان الإمام في الجامع لا يقرأ إلا بها، لما فيها من تسهيل الهمزات وترك تحقيقها في جميع المواضع، وقد تؤول ذلك فيما روى عن مالك من كراهة النبر(١)في القراءة في الصلاة(٢).
وهكذا يبدو التأثر بأحكام المذهب واضح السمات في اختيارات الأندلسيين، فيتجاوز في تعليل أخذهم برواية ورش ما قيل من أن ذلك كان بفضل الجوار وقرب الدار كما قدمنا، إلى تعليل مذهبي يشير به ابن رشد إلى ما روي عن مالك من أنه "سئل عن النبر في قراءة القرآن في الصلاة، فأنكر ذلك، وكرهه كراهة شديدة وأنكر رفع الصوت به"(٣).

(١) - النبر عبارة عن شدة الهمز في القراءة ينظر التمهيد لابن الجزري ١١٥.
(٢) - مسائل ابن رشد ٤/٦٨١ رسالة مكتوبة بالآلة الراقنة تقدم بها الطالب الأستاذ محمد الحبيب التجكاني لنيل دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث. ونصها أيضا في المعيار للونشريسي ١/٢٢٦.
(٣) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١/١٠.

قال ابن الجزري:"قرأ القرءات علىالشيخ ابي اسحاق ابراهيم بن وثيق الاشبيلي الأندلسي(١) وغيره بالموصل... وصنف شرحا للقصيد في نحو أربع مجلدات لم يكمله ولا بيضه"(٢).
١٤- شرح الشاطبية لعلاء الدين بن أحمد (ت ٧٠٦)، ذكره له في كشف الظنون(٣)
١٥- شرح الشاطبية لأبي موسى جعفر بن مكي الموصلي شيخ شيراز ونزيلها(ت ٧١٣).
قال ابن الجزري:"امام فاضل كامل صالح، وفقت له على شرح الشاطبية.."(٤).
١٦- شرح الشاطبية لعلي بن يوسف بن حريز أبي الحسن الشنطوفي اللخمي شيخ الاقراء بالديار المصرية (ت ٧١٣)، قال ابن الجزري:"تصدر للإقراء بالجامع الأزهر من القاهرة، وتكاثر عليه الناس لأجل الفوائد والتحقيق، وبلغني أنه عمل على الشاطبية شرحا، فلو ظهر لكان من أجود شروحها"(٥).
١٧- شرح الشاطبية لأبي الحسن علي بن محمد بن عبد الحق الزرويلي القاضي المعروف بالصغير(مصغرا) (ت ٧١٩)
ويسمى: "الشعلة على الشاطبية"، ومؤلفه من أعلام علماء فاس من أصحاب ابي الحسن ابن سليمان القرطبي شيخ الجماعة بها كما سيأتي.
(١) - هو إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن وثيق أبو إسحاق وكناه ابن الجزري بأبي القاسم الإشبيلي، قرأ على حبيب بن محمد سبط شريح ونجبة بن يحيى وجماعة من أصحاب شريح بن محمد بن شريح الرعيني ورحل إلى المشرق فطاف بالبلاد واقرأ بالشام والموصل ومصر وتوفي بها سنة٦٥٤- ترجمته في غاية النهاية ١/٢٤- ٢٥
(٢) - غاية النهاية ١/٥٨٤ ترجمة ٢٣٧٢.
(٣) - كشف الظنون ١/٦٤٨
(٤) - غاية النهاية ١/١٩٨ ترجمة ٩١٤.
(٥) - غاية النهاية ١/٥٨٥ ترجمة ٢٣٧٣.


الصفحة التالية
Icon