ورضي الله تعالى عن خلفائه الراشدين، وسائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم على الهدي المبين، ومن اقتفى منهم الآثار، وخصوصا الأئمة القراء نجوم الهداية في الحواضر والأمصار، الذين تجردوا لقراءة القرآن وضبط رسومه وحروفه، من القراء السبعة المشهورين ومشايخهم ممن تحملوه عن أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ على الوجوه التي تلقوه بها من مشكاة النبوة غضا طريا، ونهجوا في تلاوته وأدائه بقواعده لمن جاء بعدهم منهاجا رضيا، وصراطا سويا.
وأخص بمزيد الرضا علم هذه الكوكبة، وفارس تلك الحلبة، إمام دار الهجرة النبوية، سيد قراء المدينة، الإمام المخصوص بالتجلة والإكبار: نافع بن أبي نعيم المدني: قدوة أهل المغرب وما والاه في قراءة كتاب الله، وإمامهم في تلاوته وتأدية حروفه من زمنه وإلى يومنا ثم إلى ما شاء الله، اختيارا يربو عليه الصغير، ويكبر فيه الكبير، من رواية صاحبه وراويته أبي سعيد عثمان بن سعيد المصري، وطريق تلميذه وقيدوم حملة طريقته أبي يعقوب الأزرق المدني ثم المصري.
وبعد فإن أشرف العلوم ما يتصل منها بكتاب الله، وأسناها قدرا وأجلها ما عليه تتوقف تلاوته وينتظم به أداؤه، وهو علم الرواية المصحح لنقل القرآن، الضابط لطرق النقل وقواعد الأداء، إذ لا سبيل إلى تفهم القرآن والفقه في أحكامه، والنفاذ إلى أسراره، دون تحقيق حروفه ومعرفة كيفية أدائه، ومواضع وقفه وابتدائه، وقواعد رسمه وضبطه، وخصوصيات كتابته وخطه، وما يتعلق به.
أما بعد فيقول مؤلفه عبد الهادي بن عبد الله حميتو: هذا هو الإصدار الموالي في هذه السلسلة في موضوع "قراءة الإمام نافع عند المغاربة" خصصناه لإبراز معلم من معالم المدرسة المغربية القيروانية في أواخر عصر التأصيل والنضج لهذه المدرسة الأدائية، ويدور البحث فيه عن شخصية فذة تعتبر نموذجا رائدا في جهتها وزمنها ثم في الواجهة الشمالية من بلاد المغرب ومدينة سبتة حيث لمع نجمها، والتأم بأهل هذا الشأن شملها، وانتظم في سمط البراعة عقدها، تلكم هي شخصية الإمام القارئ المتمكن والشاعر الأديب المتألق أبي الحسن علي بن عبد الغني الحصري الفهري القيرواني رحمه الله.
ولقد اعتاد أهل الآداب المتمرسون بمعرفة أعلام الإجادة فيه وخاصة منهم الباحثين في فن الموشحات، والدارسين أيضا لتاريخ الأدب العربي بالأندلس في القرن الخامس الهجري على عهد ما يعرف بملوك الطوائف، أن يجدوا للشاعر الأديب أبي الحسن الحصري مكانا مرموقا بين شخصيات هذا العصر، وصيتا ذائعا في المؤلفات التي تناولت التأريخ لأدبائه وآدابه كذخيرة ابن بسام ومطرب ابن دحية ونفح الطيب للمقري وغيرها؛ إلا أن كثيرا منهم إن لم يكن الأكثر لا يعرف عن أبي الحسن الشاعر إلا أنه شاعر متكسب أو شاعر وشاح أو أديب من أدباء عصر الطوائف دون أن يكون له اطلاع على الجانب الأصيل فيه الذي برع فيه وأبدع براعة وإبداعا هما في الميزان العلمي عند العلماء بعلوم القراءة والتجويد أسمى من كل ما طار به ذكره بين الأدباء، ولمع به نجمه بين زمرة الشعراء.