دراسة وبحث في مدارسها الفنية ومقوماتها الأدائية
وامتداداتها في المغرب والأندلس
إلى أواخر القرن العاشر الهجري
مدخل:
تقتضي منا أصول المنهج العلمي في البحث قبل الدخول في صلب هذا الموضوع أن نزود القارئ الكريم بطائفة من المصطلحات التي سيجدها كثيرة الدور من خلاله ليكون على بينة من مدلولاتها في مواقعها من السياق، ويردد غالبها في النقول التي أستعين بها من كلام الأئمة فيحتاج القارئ إلى التوقف عندها وربما التبس عليه أمرها. وأبدأ هذا البيان بتحليل مكونات العنوان لتحديد المقاصد منها قبل الدخول في تفصيل جوانب الموضوع.
فأما قولي "قراءة نافع" فالمراد به ما ينسب إلى الإمام أبي رؤيم نافع بن عبد الرحمن المدني إمام دار الهجرة النبوية في القراءة من حروف أخذ بها في اختياره في القراءة وأصول في أدائها قرأ بها عليه رواة قراءته على اختلاف بينهم في ذلك، منها ما وافق سائر القراء السبعة وغيرهم، ومنها ما خالفهم كلا أو بعضا.
وأما قولي "من رواية أبي سعيد ورش" فهو قيد أردت به تحديد الرواية التي أريد إدارة هذا البحث عليها، وهي رواية أبي سعيد عثمان بن سعيد المصري المعروف بورش الذي اختار المغاربة روايته هذه واعتمدوها في التلاوة "الرسمية".
وأما قولي "عند المغاربة" فقيد آخر المراد به الطريق الخاص الذي أخذ به جمهورهم في هذه الرواية إلى أن اجتمع عليه الجميع، وهو طريق أبي يعقوب يوسف بن عمرو بن يسار الأزرق المدني ثم المصري عميد مدرسة ورش بمصر. وهذه الإضافة "عند المغاربة" أردت بها التوجه بالدرس إلى نمط خاص في قراءة نافع من هذه الرواية والطريق المذكورين اشتهر بنقله أئمة القراءة والأداء من المغاربة الذين رحلوا في طلب هذا الشأن وتصدروا له وعكفوا بعد ذلك على استنباط قواعده وتأصيل أصوله وعزو ذلك وتوجيهه وبيان مستنداته رواية ودراية.
ويظهر أن صلته بقيت قائمة ببعض هؤلاء المخلوعين إلى آخر المطاف، فلقد دخل على المعتمد بن عباد ممدوحه القديم وهو في طريقه إلى منفاه بأغمات حينما حل بطنجة، وكان قد جمع له ديوان مدائحه فيه وسماه "المستحسن من الأشعار" فلم يقض بوصوله إليه إلا وهو على تلك الحال(١).
وقد ذكر صاحب المطرب له بعض الأبيات الغزلية رواها عنه أبو القاسم خلف بن محمد بن صواب ـ الآتي ـ قال: أنشدنا إياها "المقرئ اللغوي النحوي الأديب أبو الحسن علي بن عبد الغني الفهري الحصري لنفسه بمدينة مرسية سنة ٤٨١ في جارية بيضاء(٢). فدل ذلك على أنه كان ما يزال يتردد على هذه الجهات.
وكان سقوط أشبيلية في أيدي المرابطين في يوم الأحد الثاني والعشرين لرجب من سنة ٤٨٤(٣). وعاش الحصري بعد هذا التاريخ نحو أربع سنوات مقيما بطنجة عاكفا على إقراء القرآن، وقد تراجع طبعه، وانقبض عن الناس، وهو ما عبر عنه ابن بسام حين قال: "ولما خلع ملوك الطوائف بأفقنا، اشتملت عليه مدينة طنجة وقد ضاق ذرعه، وتراجع طبعه"(٤).

(١) - نفح الطيب ٥/٣٧٩، وقد أنصف الحصري فساق خبر لقائه للمعتمد مساقا حسنا ليس فيه تجن عليه على خلاف ما فعل المراكشي في المعجب ٢١١ وابن بسام في الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ٢٧٢ حيث اتهمه الأول بكونه "جرى معه على سوء عادته من قبيح الكدية وإفراط الإلحاف، فرفع إليه أشعارا قديمة كان مدحه بها.." وقال الثاني: "ومن قبيح استجداء الحصري ما فعله بالمعتمد بن عباد، تصدى له في طريقه إلى العدوة على حاله من اعتقاله، ولم يلقه باكيا على خلعه من ملكه، ولا تأدبا معه في وصف ما انتثر من سلكه".
(٢) - الأبيات في المطرب من أشعار أهل المغرب لأبي الخطاب بن دحية ٧٩ واولها قوله:
خضبت يديها لون فاحمها فما...... نقص البياض ملاحة بل زادا
وهي أيضا في الذخيرة القسم الرابع ١/٢٦٩.
(٣) - الأنيس المطرب بروض القرطاس لابن أبي زرع ١٥٥.
(٤) - الذخيرة القسم الرابع المجلد ١/٢٤٦.


الصفحة التالية
Icon