ولفظ "المغاربة" نسبة شائعة الاستعمال قديما وحديثا، إلا أن مفهومها القديم كان أوسع دلالة من مفهومها في وقتنا، إذ يراد به ما يقابل "المشارقة" بوجه عام، وهذه النسبة إلى "المغارب" الأدنى والأوسط والأقصى هي كذلك باعتبار قربها أو بعدها عن عواصم المشرق العربي التي تنقلت فيها مراكز الخلافة كما أطلق عليها ذلك بعد الفتح ومضى عليه الاصطلاح في الصدر الأول ثم في سائر العصور بعده.
ثم جرى عرف القراء بعد قيام "المدرسة المغربية" في القراءة وعلومها وظهور "الطراز المغربي" في الرسم والضبط وعلوم الأداء على إطلاق هذا اللفظ "المغاربة" في مقابل "المشارقة" للتنبيه على بعض الفوارق والمذاهب التي استقل بها هؤلاء عن أولئك أو العكس، وذلك شائع كثير عند عدد من شراح "الشاطبية" من المشارقة كأبي شامة والجعبري وابن القاصح، وعند غيرهم كابن الجزري في "النشر" والقسطلاني في "لطائف الإشارات لفنون القراءات" وأحمد البنا الدمياطي في "إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر".
ومن أمثلة ذلك قول الحافظ ابن الجزري في باب الراءات من "النشر" عند ذكر "فرق" من سورة الشعراء: "فذهب جمهور المغاربة والمصريين إلى ترقيقه... وذهب سائر أهل الأداء إلى التفخيم(١).
وقال البنا في "الإتحاف" عند ذكر المد المتصل: "ذهب أكثر العراقيين وكثير من المغاربة إلى مده لكل القراء قدرا واحدا مشبعا"(٢).
وربما عبر بعضهم عن "المغاربة" بـ"أهل المغرب" كقول أبي عمرو الداني "أهل المشرق"ينقطون الفاء بواحدة من فوقها، والقاف باثنتين من فوقها، و"أهل المغرب" ينقطون الفاء بواحدة من تحتها والقاف بواحدة من فوقها"(٣).

(١) - النشر ٢/١٠٣.
(٢) - إتحاف فضلاء البشر ١/١٥٨.
(٣) - المحكم في نقط المصاحف ٣٧.

وكان قد تقدمت به السن، فاجتمعت عليه الضرارة والكبر، فلا بدع في أن تتطامن إليه نفسه، وان يقنع من العيش بالكفاف أو ما دونه في انتظار حلول الأجل، إلى أن أجاب داعي ربه بطنجة سنة ٤٨٨"(١).
منزلته أديبا وقارئا:
كان الحصري أديبا كبيرا ناظما وناثرا، شهد له بالبراعة والتبريز في ذلك فرسان الأدب وحملة الأقلام في البلاد الأندلسية، وأثنوا عليه بتمام الاقتدار وقوة العارضة في البيان، وهذا أديب زمانه العالم الناثر الناظم، أبو محمد غانم بن وليد المخزومي ـ صاحب أبي العباس المهدوي وراوية كتبه ـ يخاطبه معترفا له بالتقدم في ذلك فيقول: "ما أفصح لسانك ! وأفسح ميدانك، وأوضح بيانك، وأرجح ميزانك، وأنور صباحك، وأزهر مصباحك، أيها السابق المتمهل في ميدان النبل، والسامق المتطول بفضائل الذكاء والفضل..."(٢).
ويصفه أبو الحسن بن بسام فيقول: "وأبو الحسن هذا ممن لحقته أيضا بعمري، وأنشدني شعره غير واحد من أهل عصري، وكان بحر براعة، ورأس صناعة، وزعيم جماعة..."(٣).
وقال الحميدي: "شاعر أديب رخيم الشعر، حديد الهجو... وشعره كثير، وأدبه موفور"(٤).
ذلك مكانه في الأدب، وتلك مكانته عند أهله، أما منزلته في القراءة وعلومها فقد شهد له بها أهل هذا الشان، فقال في الصلة والجذوة: "كان عالما بالقراءات وطرقها، وأقرأ الناس القرآن بسبتة وغيرها"(٥).
(١) - ذلك تاريخ وفاته باتفاق كما ذكره الحميدي وابن بشكوال والضبي وابن خلكان والمقري والسيوطي وغيرهم، وفي غاية النهاية ١/٥٥١ سنة ثمان وستين وأربعمائة وهو تحريف واضح من الناسخ لاشتباه لفظ "ستين" بثمانين" وتقاربهما في الصورة في الخط.
(٢) - الذخيرة القسم الأول المجلد الثاني٨٥٦.
(٣) - المصدر نفسه القسم الرابع المجلد الأول ٢٤٦ـ٢٤٧.
(٤) - جذوة المقتبس ٣١٤ ترجمة ٧١٦.
(٥) - الصلة ٢/٤٣٢ـ٤٣٣ ترجمة ٩٢٦ـ والجذوة ٣١٤ ترجمة ٧١٦.


الصفحة التالية
Icon