ولا شك أن هذا الأمر باعتماد المذهب المالكي وحده باعتباره مذهب أهل المدينة يتضمن في الوقت نفسه الإشارة إلى اعتماد قراءة نافع أستاذه للاعتبار ذاته، ولاسيما وأن فيه الأمر بإقامة النوافل في شهر رمضان وذلك يقتضي الاجتماع على قراءة واحدة، وهي سنة عمرية راشدة كان العبيديون قد عملوا على إماتتها.
ويتجلى طابع القسر والإلزام في هذه الأوامر الرسمية التي كانت تصدر في هذا الصدد من الحكم، في المنشور الخلافي الآخر الذي بعث به الحكم المستنصر الأموي إلى الفقيه أبي إبراهيم(١)، ومما جاء فيه قوله: "وكل من زاغ عن مذهب مالك فإنه ممن رين على قلبه، وزين له سوء عمله، وقد نظرنا طويلا في أخبار الفقهاء، وقرأنا ما صنف في أخبارهم إلى يومنا هذا، فلم نر مذهبا من المذاهب غيره أسلم منه"(٢).
وهكذا كان تدخل الدولة والقضاء أساسيا وعاملا بارزا من بين العوامل الأخرى التي مكنت لمذاهب أهل المدينة في الفقه والقراءة، حتى تحول عندهم الانحراف عن ذلك انحرافا عن الدولة نفسها، ورغبة عن الولاء لها، وسعيا إلى الإخلال باستقلالها العملي الذي وظفت له كل الجهود حتى توطدت أركانه على قواعد ثابتة في كل مجال.
العامل السابع: ميل المغاربة إلى الوحدة السياسية والفكرية والمذهبية
(٢) - نقله في المعيار للونشريسي ٦/٣٥٧ وكذا ١٢/٢٦.
٣٠- حاشية علي كنز المعاني أو "إتحاف الأخ الاود المتداني، بمحاذي حرز الأماني" لمحمد بن عبد السلام بن محمد العربي بن علي الفاسي (ت ١٢١٤هـ)، حاذى فيه متن قصيدة الشاطبي في أسلوب ذلل به صعوبات المتن وحرر مسائله"(١)، وقد مهد لكتابه بمقدمة طويلة عرف فيها بالقراء العشرة وذكر المتواتر من القراءات ثم قال :"وإني لما امتن الله علي بفضله وإحسانه بحفظ كتابه، وأقامني في تعليم طلابه، كان في علمه القديم وإرادته، أن أقتصر على قراءات الأئمة السبعة الذين أثبتهم الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه "التيسير"... ثم تاقت نفسي أن أخدم كتاب الله العزيز بوضع محاذ لحرز ولي الله الشاطبي-رحمه الله-.. ثم بدأ بذكر سنده في القراءات من طريق شيخه عبد الرحمن المنجرة(٢) وقد جاء اسمه في بعض النسخ بعنوان "المحاذي بما يفك أسر العاني من فوائد النشر وكنز المعاني"(٣).
٣١- حاشية أخرى عليه للمؤلف نفسه بعنوان "شذى البخور العنبري، وبعض عزائم الطالب العبقري، إعانة على فتح كنز العلامة أبي إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري، وأوله :"الحمد لله الذي أنزل كتابه أحسن الحديث.. (٤).
٣٢- حاشية على كنز المعاني لأبي العلاء إدريس بن عبد الله بن عبد القادر الإدريسي الودغيري الفاسي الملقب ب"البكراوي" أو "البدراوي" المتوفى سنة ١٢٥٧، وهو صاحب "التوضيح والبيان في مقرأ نافع بن عبد الرحمن"(٥).
٣٣- حاشية على كنز المعاني لمحمد بن عبد المجيد بن عبد الرحمن أقصبي الفاسي نزيل ٣الرباط (ت ١٣٦٤هـ).
(٢) - مخطوطاته بالخزانة العامة ٣٤٤٣- ٣١٢ وتطوان ٨٨٠.
(٣) - بروكلمان ١/٤٠٧-٤٠٩ والذيل ١/٧٢٥.
(٤) - من نسخه الخطية نسخة الخزانة الحسنية برقم ٢٥٨٩(الفهرسة ٦/١١٩).
(٥) - ذكر له الحاشية المذكورة الكتاني في سلوة الأنفاس ٢/٣٤٣-٣٤٤.