فأجاب القابسي: "أما القصد إلى قراءة أبي عمرو بالذم" فهو خطأ غر جائز لأحد، ولعل المتكلم في هذا قصد غير الذم لقراءة أبي عمرو، ولكن ساءت عبارته عما أراد، وكأنه ـ فيما وصفتم ـ ظن أن القراءات إنما حدثت بعد عصر النبي ـ ﷺ ـ إلا قراءة نافع، وهذا منه جهل وتكلف بما لا يعنيه... ثم ذكر القابسي أن النظر في أمر القائل إلى قاضي المسلمين ليناله من النكير عليه في رده للقراءات وطعنه فيها بما يستأهله"(١).
ومن دلالة هذا الحوار بين الرجلين نفهم ما فهمه القابسي من كون الذام لقراءة أبي عمرو، إنما ذم ما لا عهد له به في الاقراء والمحافل الرسمية، بينما كان محاوره عالما بأساس الاختلاف بين القراءتين وكونه عائدا إلى نزول القرآن على سبعة أخرى كلها شاف كاف، وقد وجه الفقيه الفتوى على اعتبار أن الذام لقراءة إمام أهل البصرة لم يقصد الذم، وإنما أنكر أن يقرأ الإمام في القيام بقراءة لا يعرفها ولا عهد له بسماع أحد يقرأ بها في مساجد الجماعات، وهو أكبر دليل على استحواذ قراءة نافع على المنطقة أواخر المائة الرابعة.
وتدلنا بعض الإشارات عند بعض قراء افريقية على مقدار تشبث قرائها لهذا العهد بقراءة نافع وإعطائها موضع الصدارة في مجال الاقراء والتعليم، حتى غدوا ينكرون على الطالب أن يطمح إلى قراءة غيرها قبل إتقان أحكامها وإجادة أدائها، ويعدون ذلك من قبيل التنطع، وفي هذا نجد أبا الحسن الحصري يقول في رائيته الآتية في قراءة نافع:
"ولم أرهم يدرون ورشا قراءة فكيف لهم أن يقرءوا لأبي عمرو ؟(٢)
حادثة غرناطة وإنكار العامة على إمام قرأ بخلاف القراءة المعروفة.
(٢) - ستأتي القصيدة المذكورة كاملة في ترجمة الحصري في فصل خاص.
"ونيتي إن أمهلني الله ويسر لي ـ أن أجعل تأليفا أنبه فيه على ما هو ضعيف لا يقرأ به في شرح ابن القاصح، لأني رأيت أكثر القراء معننين به، وربما قراؤا بجميع ما فيه لعدم تفريقهم بين الضعيف وغيره والله الموفق"(١).
٥٠- حاشية على شرح ابن القاصح أو "النور اللائح على شرح ابن القاصح "لمحمد بن عبد المجيد أقصبي الفاسي (ت ١٣٦٤هـ) صاحب الحاشية الأخرى على كنز المعاني للجعبري(٢).
٥١- شرح الشاطبية لدراج أحد شراحها من المغاربة، ولعل المراد به أبو الحسن علي المعروف بابن الدراج وكان متصدرا للإقراء بمدينة فاس(٣)، أما الشرح المذكور فقد وفقت على ذكره عند أبي زيد عبد الرحمن بن القاضي في كتابه "بيان الخلاف والتشهير، وما جاء في الحرز من الزيادة على التيسير" عند ذكره لإمالة "الناس" لأبي عمرو بن العلاء في أول سورة البقرة حيث قال :"وقال دراج في شرحه للشاطبية :"ونسب الشيخ- يعني الشاطبي- الخلاف في ذلك لأبي عمرو، ولم يتعرض لذكر الدوري ولا السوسي"(٤).
٥٢- شرح الشاطبية لشرف الدين صدقة بن سلامة بن الحسين ذكره البغدادي وذكر أن تاريخ كتابته ٨٣٠"(٥).
٥٣- شرح الشاطبية لمحب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادي (٨٤٣).
ذكره في كشف الظنون وقال :"هو شرح كبير"(٦).
(٢) - ذكره له عبد الله الجراري في كتاب " من أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين الرباط وسلا ٢/١٧٣-١٧٤ كما ذكره له في كتابه "التأليف ونهضته في القرن العشرين ١٩٠٠-١٩٧٢" ص ١٨٤-١٨٦- وتحتفظ الخزانة الحسنية بالرباط بمخطوطة من "النور اللائح" تحت رقم ٧٠٣٨.
(٣) - الفجر الساطع لابن القاضي ذكره في باب الإمالة عند حديثه عن الخلاف في "التورية" وأثنى عليه.
(٤) - بيان الخلاف والتشهير لوحة ٥.
(٥) - إيضاح المكنون ١/٤٠٠.
(٦) - كشف الظنون ١/٦٤٨.